العراق – عندما لا يحول فقدان البصر دون التألق في الجودو!

أن يكون المرء من ذوي الاحتياجات الخاصة لا يعني دائماً وبالضرورة الانزواء عن المجتمع. DW عربية تتابع قصة شاب عراقي لم يمنعه فقدان نور عينيه من كسب قوت يومه وتحقيق الإنجازات في رياضة الجودو والتطلع للألقاب الأولمبية.
جراح دبيسان شاب عراقي يتيم الأبوين. يسكن مع عائلة أحد أخوته ويشعر براحة العيش معهم وبينهم. يمارس جراح، المنحدر من محافظة ذي قار جنوبي البلاد، حياته اليومية كأي إنسان عادي؛ يدير مطعماً في جامعة ذي قار ويتدرب يومياً على لعبة الجودو للمكفوفين. جراح لاعب منتخب وطني خط أول حقق بطولات وإنجازات متقدمة، ويستعد من الآن للفوز ببطولة آسيا في العاصمة الإندونيسية جاكرتا نهاية الشهر العاشر لتؤهله إلى أولمبياد طوكيو 2020.

عندما تحدثنا مع جراح، الذي يبلغ من العمر 26 عاماً، لم نشعر بأنه شخص فقد بصره. وذلك بسبب ثقته العالية بنفسه وطموحه، وكان أول كلامه لـDW عربية: “تحديت فقدان البصر. لم أجعله يحول دون بلوغي غاياتي. الكثير من المبصرين لا يستطيعون تحقيق ما حققت”.

بطل مرموق منذ الصغر

كان جراح يمارس حياته بشكل طبيعي. فقد التحق بمنتخب الجودو سنة 2004، لعشقه لهذه الرياضة منذ الصغر. ونال أوسمة ذهبية وفضية ومراكز متقدمة داخل وخارج العراق. غير أن بصره أخذ يخبو رويداً رويداً إلى أن فقد النور بعينه اليمنى كلياً وضعفت عينه اليسرى. يقول جراح: “كنت بمرحلة الدراسة المتوسطة وإلى الآن أتذكر اللحظة عندما طلب مني أحد المدرسين القراءة على السبورة”، يأخذ نفساً عميقاً ويكمل: “قلت للمدرس لا أستطع القراءة لأنني لا أرى جيداً فجرحني وأهانني بشكل قاسي لعدم تصديقه كلامي فلم أتحمل وتشاجرت معه ليتم فصلي من المدرسة”.

الرمية التي لا تقتل المرء تقويه

راجع جراح العديد من الأطباء وسافر إلى إيران والهند ليعطوه أملاً ضعيفاً بالشفاء في حال أجرى عملية جراحية لشبكية العين ليتوقف منذ تلك اللحظة عن مراجعة الأطباء معتمداً على عينه اليسرى القليلة البصر. يقول جراح: “أصبت بخيبة أمل وجلست في البيت لمدة سنة من دون عمل ودراسة وتركت لعبة الجودو لأني أصبحت كفيفاً”، مضيفاً أن أخيه إدريس الذي يسكن معه حالياً ومع زوجته وأولاده “دعمه وشجعه” على تخطي هذه المرحلة بإيجاد عمل للاندماج في المجتمع.

أعطاه إدريس مبلغاً من المال ليفتح مطعم داخل جامعة ذي قار. عن بداياته يخبرنا جراح: “واجهت صعوبات كثيرة ببداية الأمر في الاعتماد على نفسي بالمشي في الشارع والتعامل مع الزبائن بالمطعم لكني تخطيت كل ذلك بإرادتي وتشجيع أخي”. وعن بعض المواقف المحرجة التي يواجهها في عمله يقول جراح: “يستغرب بعض الزبائن عندما يعلمون أني كفيف وأمسك حساب المطعم. ويقول البعض: أنت كفيف فكيف ستعرف أن ترجع لنا باقي الحساب؟ كان الأمر يجرحني كثيراً، لكني لم أدعه يحبطني”.

في الوقت الحاضر يطمح جراح لإكمال دراسته بمعهد خاص للمكفوفين كما يطمح إلى تكوين أسرة مؤمناً دائماً بعدم وجود “مستحيل”.

أعداد بـ”الآلاف”

من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية يتحدث لـ DW عربية معاون مدير عام دائرة رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، د. عامر الموسوي، قائلاً: “يقدر عدد ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة بالعراق بحسب تسجيلهم من الدراسة الابتدائية إلى الصف السادس الابتدائي بحدود أربعة آلاف شخص ببغداد والمحافظات عدا إقليم كردستان”. وعن تقبلهم من قبل المجتمع العراقي يقول الموسوي إن “المجتمع بصفة عامة يتعامل معهم بدرجة من التعاطف والوعي باعتبارهم أشخاص طبيعيين بدليل وجود طلبة مكفوفين وصلوا إلى مراحل دراسية متقدمة جداً”، مشيراً إلى “وجود 22 معهداً للتعليم والنشاط والترفيه في بغداد وأخمسة أخرى في المحافظات خمسة لتعليم المكفوفين مع تأهيلهم على العمل ومواكبة التطور”.

ولم يفت الموسوي التنويه إلى أن ضرورة توفير “موائمة بيئية لتخفيف الصعوبات على ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة أكثر”، داعياً “الحكومة العراقية بالاهتمام بهم أكثر ونقل تجارب الدول المتقدمة”. وبدوره يرى جراح الأمور بنفس المنظار تقريباً “أواجه صعوبات عندما أذهب إلى دوائر الدولة لإجراء معاملة لعدم وجود وسائل تسهل الأمر على المكفوفين لذلك أعتمد كثيراً على منظمة البصيرة الخاصة برعاية المكفوفين لتسهيل أمري فهي بيتي الثاني”.

الحلم بالأولمبياد رغم الاهتمام “دون الوسط”

يحلم جراح بالوصول إلى العالمية بلعبة الجودو للمكفوفين، التي بدأ بها منذ سنة 2014. وحقق إنجازات كبيرة وميداليات وأوسمة ذهبية وفضية داخل وخارج العراق منها أولمبياد ريو دي جانيرو في البرازيل سنة 2016، بحصوله على المركز السابع عالمياً مع شهادة دبلوم وعينه الآن على أولمبياد طوكيو 2020.

عن إمكانيات وآفاق جراح يقول المدرب الأولمبي ومدرب الجودو للمكفوفين في العراق والحكم الدولي، الكابتن حيدر رزاق، لـDW عربية: “جراح بطل حقق شهرة ونجاحات متقدمة وسيكون له مستقبل باهر في رياضة الجودو”. وعن البنى التحتية والإمكانيات المتوفرة لصقل مواهب ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في العراق، يقول الكابتن رزاق إنها “صفر وبحاجة إلى اهتمام أكبر”، مضيفاً أن “الاهتمام برياضة الجودو للمكفوفين دون الوسط معنوياً ومادياً وفنياً”.

فرح عدنان – بغداد

زر الذهاب إلى الأعلى