
تحكيم الجهوي في المغرب: أزمة حقيقية بحاجة إلى رؤية استراتيجية شاملة
على مدى العشرية الأخيرة، ظل التحكيم الجهوي في المغرب يشهد تدهورًا مستمرًا على مستوى التكوين والتأطير، مما انعكس سلبًا على جودة التحكيم في الملاعب الوطنية. ورغم أن المديرية المركزية للتحكيم وضعت مخططًا استراتيجيًا لتطوير هذا القطاع، إلا أن العصب الجهوية لم تنجح في تنزيله بشكل فعّال، ما أدى إلى فشل ملموس في معالجة التحديات التي يواجهها الحكام في مختلف المناطق. السؤال الذي يطرح نفسه: هل أصبح التحكيم الجهوي في المغرب “مقبرة لدفن الكفاءات التحكيمية” أم “مدرسة لصنع حكام المستقبل”؟
غياب التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ الفعلي
من الملاحظ أن العصب الجهوية لم تتمكن من الوفاء بالوعود التي تم تقديمها في المخطط الاستراتيجي للمديرية المركزية للتحكيم. رغم أن هذا المخطط كان يهدف إلى وضع أسس عملية تهدف إلى تطوير مهارات الحكام على جميع الأصعدة، إلا أن الواقع يعكس فشلًا في التنفيذ. العصب الجهوية لم تلتزم بالخطط التدريبية المعدة، بل وأحيانًا تغاضت عن وضع برامج مستدامة تلبي احتياجات الحكام المحليين. التنفيذ الضعيف للمخطط، وانعدام المتابعة الجادة، أفضيا إلى تراجع مستوى التحكيم بشكل كبير في المباريات المحلية والجهوية.
التهميش الإداري: النظام العتيق وتأثيره السلبي
من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى التدهور المستمر في التحكيم الجهوي هو التهميش الإداري. العديد من المدراء الجهويين يتحملون المسؤولية عن الوضع الراهن، إذ يبدو أن أولويتهم تنحصر في الحفاظ على المناصب دون التفكير في تطوير الكوادر البشرية داخل العصب الجهوية. هذا التوجه يعكس غياب إرادة سياسية حقيقية لإصلاح هذا القطاع. فعوضًا عن توفير البيئة اللازمة التي تدعم الحكام في تطوير مهاراتهم، يستمر غالبية المسؤولين في سياسة إقصائية وتهميشية، مما يزيد من عمق الفجوة بين الحكام الجهويين والنخب التحكيمية الوطنية.
إن هذه الحالة أدت إلى ركود كبير في التحكيم الجهوي، حيث لا توجد فرص حقيقية لتطوير الكفاءات، ولا آليات واضحة لدعم وتوجيه الحكام الشبان. كما أن بعض العصب الجهوية أصبحت محكومة بالمصالح الشخصية والجمود الإداري، مما يعيق التغيير الحقيقي. هذه الوضعية تبين أن التحكيم الجهوي في كثير من الأحيان يتحول إلى مجرد واجهة للمناصب بدلًا من أن يكون محركًا لتطوير المهارات والخبرة.
التكوين الذاتي: تحديات ومخاطر
أحد أبرز التحديات التي يواجهها الحكام الجهويون هو الاعتماد على التدريب الذاتي. فرغم أن التدريب الذاتي يعد خطوة مهمة في مسار تطوير المهارات الفردية، إلا أنه لا يمكن أن يكون بديلاً حقيقيًا عن التكوين الرسمي والمستمر الذي يقدمه الخبراء المختصون. غياب التأطير الكافي من قبل المكونين الجهويين يؤدي إلى نقص كبير في المعرفة القانونية والفنية لدى الحكام الجهويين، مما يجعلهم يواجهون صعوبة في التعامل مع القوانين المتطورة والمعقدة للعبة.
يُعتبر التكوين الذاتي أحد الأسباب التي جعلت العديد من الحكام الجهويين يقعون في أخطاء تقنية وتحكيمية تؤثر على سير المباريات بشكل سلبي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الافتقار إلى التدريبات الموجهة لا يعزز من قدرة الحكام على مواجهة الضغوطات النفسية والتكتيكية التي تصاحب المباريات الكبيرة، مما ينعكس بدوره على أداء التحكيم في المباريات الوطنية والدولية.
آثار التراجع على التحكيم الوطني
الضعف في التكوين والتأطير على المستوى الجهوي ينعكس بشكل مباشر على مستوى التحكيم في البطولات الوطنية. فالحكام الذين لا يحصلون على تكوين متكامل في مراحل مبكرة من مسارهم التحكيمي، يواجهون صعوبة كبيرة في الانتقال إلى البطولات الكبرى، سواء كانت محلية أو دولية. الفجوة بين الحكام الجهويين والحكام الوطنيين تتسع يومًا بعد يوم، مما يؤدي إلى تزايد الشكاوى من أداء الحكام في المباريات الكبيرة.
على المستوى الوطني، يعاني التحكيم من نقص في الكفاءات القادرة على إدارة المباريات بحرفية عالية، وهو ما يؤدي إلى فقدان الثقة من قبل الأندية والجماهير في قدرات الحكام. وهذا يضعف من مصداقية التحكيم ككل، ويضر بسمعة الجهاز ولعبة في المغرب.
الطريق إلى الإصلاح: ضرورة التغيير
الواقع الحالي يتطلب إعادة النظر في النظام الإداري والتربوي المتبع في العصب الجهوية. يجب أن يتم وضع استراتيجية جديدة تهدف إلى تطوير التكوين المستمر للحكام وتوفير البيئة المناسبة لتأهيلهم على كافة الأصعدة، سواء كانت قانونية أو بدنية أو نفسية. كما يتطلب الأمر إصلاحًا إداريًا حقيقيًا للتخلص من الأنماط التقليدية التي لا تساعد على النهوض بالقطاع.
كما أن تواجد عصام الفتح رفقة رضوان جيذ يمكن أن يوفر الفرصة لتطوير مستوى الحكام وتوسيع آفاق معرفتهم. من المهم أيضًا إعادة هيكلة الدورات التدريبية بشكل يواكب التطورات العالمية في مجال التحكيم، وتوفير فرص التقييم الدوري لأداء الحكام، مما يساعد على التعرف على مواطن الضعف والعمل على تحسينها.
الخلاصة:
إن أزمة التحكيم الجهوي في المغرب لا تنحصر فقط في الافتقار إلى الكفاءات، بل تتعداها إلى مشكلات إدارية وبنية تحتية غير كافية. من أجل تحسين الوضع، يجب وضع استراتيجية إصلاحية شاملة تركز على تطوير الحكام، وتعزيز مستوى التأطير والتكوين، والعمل على خلق نظام إداري أكثر فاعلية. التحكيم الجهوي هو الأساس لصناعة حكام المستقبل، وإذا لم يتم إصلاحه بشكل جذري، فإنه سيستمر في إعاقة تطور كرة القدم المغربية بشكل عام