حسم التعادل السلبي 0-0 موقعة الديربي المغربي رقم 139 بين الغريمين الوداد والرجاء، في اللقاء الذي احتضنه ملعب محمد الخامس وسط حضور جماهيري هائل تجاوز خمسين ألف متفرج.
ووصل الرجاء للنقطة 12 في المركز الثاني بجدول ترتيب مسابقة الدوري المغربي، بعدما لعب 6 مباريات حتى الآن (انتصر في 3 وتعادل مثلهم دون أن يخسر أي لقاء)، أما الوداد فتواجد في المركز الرابع برصيد 11 نقطة بعدما شارك في 5 مباريات (انتصر في 3 وتعادل مرتين فقط).
ورغم التوقعات الكبيرة بأن يقدم الفريقان مباراة على مستوى فني عالٍ، بالنظر إلى جاهزيتهما المميزة في بداية الموسم، فإن المواجهة جاءت متوسطة الإيقاع والمستوى، وافتقرت إلى الفرص الحقيقية، في ظل كثرة التوقفات التي بلغت حدًا غير مسبوق بعد أن اضطر الحكم لإضافة 23 دقيقة زمنًا بدل ضائع بسبب الاستخدام المفرط للشماريخ والشهب النارية من جماهير الطرفين.
جرت المباراة في أجواء احتفالية مذهلة، هي الأقوى من حيث الحضور الجماهيري في الديربي خلال السنوات الأخيرة، إذ نُفذت تذاكر اللقاء مبكرًا لتُغلق الشبابيك منذ أيام.
حضر اللقاء عدد كبير من وسائل الإعلام الأجنبية لتوثيق الحدث الكروي الأضخم في المغرب، بينما فرضت السلطات إجراءات أمنية مشددة في محيط الملعب، تحسبًا لأي انفلات محتمل.
ولم يقتصر التنافس على أرضية الميدان، بل امتد إلى المدرجات، حيث قدّمت التراس الوداد والرجاء لوحات فنية وكاليغرافية مبهرة، حطّمت أرقامًا قياسية على مستوى “التيفوهات” والإبداع البصري، وسط تفاعل جماهيري غير مسبوق.
لكن الاحتفالية تحولت إلى مصدر قلق حين غطت سحب الدخان أجواء الملعب، ما اضطر الحكم إلى إيقاف اللقاء لمدة 20 دقيقة كاملة في الشوط الأول لحجب الرؤية، قبل أن تتكرر التوقفات في نهاية المباراة أيضًا بسبب الشهب.
زياش يشعل المدرجات من المقصورة
شهدت المقصورة الشرفية حضور النجم المغربي حكيم زياش، لاعب غلطة سراي التركي، إلى جانب والدته، في خطوة تزامنت مع أنباء عن اقتراب انضمامه إلى الوداد.
وكان ظهور زياش كافيًا لإشعال المدرجات من الطرفين، حيث هتفت الجماهير باسمه طويلاً في مشهد يختصر عشق المغاربة لأحد أبرز نجومهم في العقد الأخير.
القوة الضاربة.. والرجاء دون أجانب
دخل الفريقان المواجهة بتشكيلتيهما الأساسيتين، من دون غيابات مؤثرة تُذكر، حيث خاض الرجاء المباراة لأول مرة دون أي لاعب أجنبي منذ صافرة البداية، بينما ضم الوداد أربعة محترفين: البرازيلي فيريرا، الكونغولي باكاسو، البوركينابي عزيز كي، والجنوب أفريقي لورش.
وقبل انطلاق المباراة، تلقى الرجاء ضربة موجعة بعد انسحاب قائده بدر بانون بسبب إصابة عضلية مفاجئة، أما الوداد، فدخل اللقاء بتركيز كبير في مواجهة تكتيكية كان عنوانها الأبرز الحذر والانضباط.
تابع المدرب الوطني وليد الركراكي، إلى جانب مدرب المنتخب الرديف طارق السكتيوي، اللقاء من مدرجات الملعب، لمعاينة مجموعة من اللاعبين قبل حسم قائمة المنتخبين المقبلتين المشاركتين في البطولة العربية، وهو ما أضفى مزيدًا من الحافز على اللاعبين لتقديم أفضل ما لديهم.
تفوق نسبي للرجاء.. وغياب الفاعلية
جاءت بداية اللقاء لمصلحة الرجاء الذي بدا أكثر تنظيمًا في الانتشار والتحكم في الكرة، خاصة عبر تحركات الظهيرين بولكسوت وبلعمري، لكن الخطورة الحقيقية على مرمى الوداد كانت شبه غائبة، إذ تعامل الحارس المهدي بنعبيد بثبات مع الكرات العرضية القليلة.
الوداد من جهته اعتمد على التحفظ الدفاعي والمرتدات الخاطفة بقيادة المخضرم نور الدين أمرابط، الذي كان أكبر لاعبي الديربي سنًا وأكثرهم تأثيرًا من حيث الخبرة، إلى جانب عزيز كي الذي حاول التسديد من بعيد دون أن يصيب المرمى.
وانتهى الشوط الأول كما بدأ، بتعادل سلبي طغى عليه الحذر والخوف من الخسارة، في ظل تمركز اللعب في وسط الميدان وغياب الفرص الحقيقية.
الوداد يتحسن.. والرجاء يردّ بخجَل
في الشوط الثاني، بدا الوداد أكثر شجاعة هجومية، فظهر محمد مفيد في مناسبتين خطيرتين (الدقيقتان 52 و55)، بعد تمريرات عرضية لم يُحسن حمزة الهنوري تحويلها إلى أهداف بسبب الرقابة اللصيقة من المدافع عبد الله خفيفي.
وحاول عزيز كي مجددًا التسديد من خارج المنطقة في الدقيقة 57 دون جدوى، قبل أن يُبدله المدرب بنهاشم باللاعب الزمراوي لتنشيط الخط الأمامي.
في المقابل، اكتفى الرجاء بمحاولات خجولة، أبرزها ركلة حرة سددها معاد الضحاك في الدقيقة 75، ارتطمت بحائط الصد الودادي.
وقبل نهاية اللقاء بعشر دقائق، توقفت المباراة مرة أخرى بسبب الشماريخ الكثيفة التي أطلقتها الجماهير من الجانبين، حتى غطى الدخان سماء ملعب محمد الخامس بالكامل، في مشهد مذهل بصريًا لكنه تسبب في ارتباك التحكيم واللاعبين، وسيكلف الناديين غرامات مالية ثقيلة من طرف لجنة الانضباط بالاتحاد المغربي.
إثارة في الوقت بدل الضائع.. ثم عودة للهدوء
استعاد الوداد أفضليته في الدقائق الأخيرة، وهدد مرمى الحارس الحرار بتسديدة قوية من الزمراوي في الدقيقة 93، غير أن الأخير تصدى لها ببراعة وأنقذ فريقه من خسارة محققة.
ورغم أن الحكم أضاف 12 دقيقة كاملة كوقت بدل ضائع، فإن المباراة عادت إلى رتابتها المعهودة، بسبب تكرار التوقفات والضباب الكثيف الذي غطى أرضية الميدان.
واكتفى المدربان بإجراء تغييرات تكتيكية هدفها الحفاظ على التوازن، دون مغامرة بحثًا عن الفوز، لتنتهي القمة بنتيجتها التقليدية المفضلة: التعادل، الذي حسم أكثر من نصف مواجهات الغريمين عبر التاريخ.
التعادل لا يخدم أحدًا
لم يخدم هذا التعادل أيًّا من الفريقين، خصوصًا بعد فوز الجيش الملكي الذي صعد إلى الوصافة مع مباراة مؤجلة، بينما واصل الوداد والرجاء مسيرتهما دون هزيمة بعد مرور ست جولات، لكنهما أضاعا فرصة الاقتراب من الصدارة.
كما كرّس اللقاء عقدة الرجاء للوداد في آخر ست مواجهات مباشرة، حيث فاز النسور في نصفها، فيما انتهت البقية بالتعادل.
ورغم خيبة النتيجة الفنية، فإن الديربي البيضاوي 139 سيُسجّل في الذاكرة بفضل أجوائه الجماهيرية الخيالية، واحتفاليته البصرية التي خطفت الأضواء عالميًا، لتبقى المدرجات هي البطل الحقيقي في أمسيةٍ خالدة جمعت شغف المغرب بكرة القدم وسحر “كازابلانكا” الذي لا ينتهي.
