يعيش المنتخب المغربي فترة ازدهار غير مسبوقة، قبل أقل من شهرين على انطلاق بطولة كأس الأمم الأفريقية التي ستُقام على الأراضي المغربية نهاية العام الحالي. فأسود الأطلس، الذين يُعدّون المرشحين الأبرز للتتويج باللقب القاري، واصلوا نهاية الأسبوع الماضي عروضهم القوية وتألقهم اللافت في مختلف الدوريات الأوروبية، مؤكدين جاهزيتهم العالية وإصرارهم على حمل راية المجد القاري فوق أرضهم.
الخبر السار بالنسبة لوليد الركراكي، المدير الفني للمنتخب المغربي، لا يقتصر فقط على التوهج الفردي للاعبيه، بل يمتد إلى اتساع رقعة المنافسة على المراكز داخل التشكيلة الأساسية، وهو ما قد يتحول إلى ما يشبه “صداع الرفاهية” بالنسبة له قبل إعلان قائمة نوفمبر / تشرين الثاني التي ستخوض مباراتين وديتين بالمغرب استعدادًا لأمم أفريقيا.
الاتحاد المغربي لكرة القدم لم يُفوّت الفرصة، فهنأ لاعبيه المحترفين على صفحات التواصل الاجتماعي بعد هذا الأسبوع التاريخي، الذي تخللته أهداف حاسمة ومساهمات مؤثرة في نتائج أنديتهم.
حكيمي الاستثنائي
البداية مع أشرف حكيمي، الذي واصل تجسيد قيم القيادة والتأثير داخل ناديه باريس سان جيرمان، مسجلًا هدفين من ثلاثية الفريق أمام بريست في الدوري الفرنسي، في مباراة أعادت الفريق إلى الصدارة بعد خسارة مارسيليا.
أهداف حكيمي جاءت في الدقيقتين 29 و39، ليحقق ثنائيته الأولى هذا الموسم، في تأكيد جديد على مكانته كأحد أفضل أظهرة العالم. مدربه الإسباني لويس إنريكي لم يتردد في الإشادة به قائلًا: “أشرف هو أفضل ظهير أيمن في العالم حاليًا، ويستحق الكرة الذهبية الأفريقية دون نقاش”.
إحصاءات حكيمي هذا الموسم مذهلة: 10 أهداف في الدوري، و39 مساهمة تهديفية بين أهداف وتمريرات حاسمة، أرقام استثنائية للاعب في مركز دفاعي. وقد قال لصحيفة “ليكيب” الفرنسية: “أفخر بما أقدمه، لأن هذه الأرقام ليست من مهاجم، بل من مدافع يعمل بلا توقف من أجل الفريق”.
هذا التألق ليس جديدًا، فقد كان حكيمي صاحب تمريرة هدف الفوز في آخر مباراة رسمية لمنتخب المغرب أمام الكونغو ضمن تصفيات كأس العالم، ليؤكد أنه حجر الأساس في مشروع الركراكي.
الصيباري والهاتريك الأول
وفي هولندا، خطف إسماعيل الصيباري الأضواء بالكامل بتسجيله لهاتريك قاد به فريقه أيندهوفن للفوز المثير على فينورد بنتيجة 3-2، في قمة الدوري الهولندي.
اللافت أن المواجهة نفسها شهدت هدفًا مغربيًا آخر عبر أسامة تيرغالين لصالح فينورد، ما جعلها أمسية مغربية خالصة.
الصيباري أصبح حديث الصحافة الهولندية التي وصفته بـ”المحرك الذي لا يتعب”، بينما يعدّه الركراكي أحد مفاتيح اللعب الهجومي الأكثر فعالية. فهو صاحب أول هدف في ملعب مولاي عبد الله الجديد أمام النيجر، والهداف الثالث للمنتخب منذ تولي الركراكي القيادة، بعد أيوب الكعبي ويوسف النصيري.
إيجامان وآيت بودلال.. المستقبل المغربي في فرنسا
من فرنسا أيضًا، يواصل حمزة إيجامان لفت الأنظار بقوة مع نادي ليل، بعدما سجل هدفًا ضمن سداسية فريقه أمام ميتز، رافعًا رصيده إلى 7 أهداف في 10 مباريات فقط، ليعادل رقم النيجيري فيكتور أوسيمين التاريخي مع الفريق ذاته قبل سبعة أعوام.
إيغامان لم يتوقف عند ذلك، فقد سجل هدفين منتصف الأسبوع في دوري المؤتمر الأوروبي أمام باوك اليوناني، ليصبح من أكثر اللاعبين إنتاجًا في الدوريات الخمس الكبرى خلال أكتوبر / تشرين الأول.
في المقابل، دوّن حمزة آيت بودلال أول أهدافه مع رين في شباك نيس، مؤكدًا أن خط الدفاع المغربي يملك جيلاً صاعدًا لا يقل موهبة عن الجيل الذهبي الحالي.
ديوب والكعبي.. ثنائي اللمسة الأخيرة
على الجانب الآخر، عاد سفيان ديوب للتألق مع نيس بتسجيله هدفه الخامس هذا الموسم أمام رين في لحظة حاسمة، مما رفع أسهمه في العودة إلى قائمة المنتخب.
أما أيوب الكعبي، فقد حافظ على سجله التهديفي المرعب مع أولمبياكوس، حيث أحرز ثنائية حسمت موقعة أيك أثينا في الدوري اليوناني، بعد أيام قليلة من تسجيله في مرمى برشلونة بدوري أبطال أوروبا، في إنجاز شخصي نادر للاعب عربي.
الطالبي وأوناحي.. البرقية الأخيرة قبل المعسكر
في إنجلترا، خطف شمس الدين الطالبي الأضواء مع سندرلاند بتسجيله هدف الفوز القاتل أمام تشيلسي في الدقيقة 90+3، وهو أول أهدافه مع الفريق منذ انتقاله من بروج البلجيكي في صفقة بلغت 30 مليون يورو. هدفه لم يكن عاديًا، بل نقطة تحول في مسيرته وصدى جديد لانتشار المغاربة في مختلف الدوريات الكبرى.
أما عز الدين أوناحي، فقد وجه رسالته الخاصة للركراكي. بعد فترة غياب للإصابة، عاد نجم جيرونا الإسباني ليفرض نفسه نجمًا للمباراة أمام أوفييدو، عندما دخل بديلاً في الدقيقة 59 وسجل هدفًا رائعًا في الدقيقة 83، وتحصل على ركلتي جزاء. اختير أفضل لاعب في اللقاء، وحصد قبل أيام جائزة لاعب الشهر مع فريقه، ليؤكد عودته القوية واستعداده الكامل للعودة إلى “عرين الأسود”.
بين الحلم والاختيار الصعب
تألق النجوم المغاربة بهذا الشكل الجماعي يضع وليد الركراكي أمام معضلة سعيدة: كيف يختار قائمة لا تتسع لكل هذا البريق؟ فكل مركز في المنتخب بات يضم أكثر من لاعب جاهز وفعّال في أوروبا.
ومع اقتراب موعد إعلان القائمة النهائية لكأس الأمم الأفريقية، يبدو أن المنتخب المغربي يدخل البطولة وهو في أوج قوته الذهنية والفنية، مستندًا إلى جيل ذهبي يجمع بين الخبرة والحماس والطموح.
لكن التحدي الحقيقي يبدأ من الآن، حين يقرر الركراكي من سيحمل الراية في رحلة الحلم القاري، ومن سيجلس على دكة البدلاء في انتظار لحظة المجد.
