في مباراة عصيبة على ملعب تيرف مور، بدا أن ليفربول سيتعثر أمام بيرنلي، بعدما صمد أصحاب الأرض حتى الدقيقة الثالثة من الوقت بدل الضائع من عمر الشوط الثاني.
لكن كرة عرضية ارتطمت بيد حنبعل مجبري، منحت الريدز، ركلة جزاء قاتلة.
محمد صلاح، ورغم ضغط الجماهير وذكريات إضاعته ركلتين سابقتين، وضع الكرة بثبات في الشباك، ليمنح الليفر، انتصارًا جديدًا في اللحظات الأخيرة بالبريميرليج.
جاري نيفيل، الذي كان يستعد للتعليق على مباراة أخرى، لم يتفاجأ حين علم بالخبر، وقال “كنت واثقًا أنهم سيسجلون، هذه عقلية الأبطال”.
قبل بيرنلي بأيام قليلة، كانت الجماهير قد شاهدت السيناريو ذاته يتكرر في 3 مباريات متتالية للريدز.
وواجه ليفربول، غريمه آرسنال، في مباراة مغلقة على كل الاحتمالات، حتى جاء دومينيك سوبوسلاي، ليسدد كرة حرة مباشرة في الدقيقة 83، كرة لا يقدر أحد على ردها، فاشتعلت مدرجات أنفيلد.
Getty Images
في افتتاحية الموسم، كان المشهد أكثر دراما أمام بورنموث، حين انتظر كييزا حتى الدقيقة 88 ليجد الكرة في المكان والوقت المناسب، لم يتردد، وسددها داخل الشباك، ليمنح فريقه انتصارًا بدا بعيد المنال.
لكن ما حدث أمام نيوكاسل، كان استثنائيًا بكل المقاييس. ريو نجوموها، صاحب 17 عامًا، دخل أرضية الملعب في الدقيقة 96، ومع أن الخبرة كانت ضده، إلا أن الحلم كان أكبر.
في الدقيقة 100 وجد نجوموها نفسه أمام فرصة لا تُعوض، فسدد بثقة وكأنها ليست أول مرة، مسجلًا هدفًا سيظل محفورًا في ذاكرة جماهير ليفربول.
ثم جاءت الحكاية الرابعة في تيرف مور، عندما حسم صلاح، المباراة، بركلة جزاء في الوقت القاتل.
وهكذا أصبح ليفربول، أول فريق في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، يحقق 4 انتصارات متتالية عبر أهداف جاءت كلها بعد الدقيقة 80، وكأن الفريق كتب عهدًا جديدًا مع “اللحظة الأخيرة”.
Getty Images
حكاية مكررة
ما إن ترسخت هذه الهوية محليًا، حتى حملها ليفربول معه إلى الساحة الأوروبية. ففي مستهل مشواره بدوري أبطال أوروبا، اصطدم الريدز بخصم يعرف كيف يجرّ منافسيه إلى المعاناة، وهو أتلتيكو مدريد.
المباراة بدت متجهة إلى التعادل 2-2، حتى جاءت اللحظة التي غيّرت كل شيء. فيرجيل فان دايك، صخرة الدفاع الذي اعتاد على حماية مرماه، تحوّل إلى بطل هجومي في الثانية الأخيرة، حين ارتقى عاليًا فوق الجميع، ليودع الكرة برأسه داخل الشباك.
الهدف الذي جاء في الوقت بدل الضائع، لم يكن مجرد حصد 3 نقاط، بل يؤكد بأن روح ليفربول لا تتوقف عند حدود البريميرليج، بل تمتد إلى أوروبا، حيث تُصنع الأساطير.
Getty Images
ما بين الحظ والعقلية
تعددت طرق تسجيل هذه الأهداف، ركلة حرة مباشرة من سوبوسلاي تحتاج إلى أعصاب فولاذية، كرة ارتدت صدفة في اللحظة المناسبة أمام كييزا، شاب صغير يواجه ضغطًا مهولًا في مباراة كبرى، أو ركلة جزاء نفذها نجم الفريق بعد إخفاقات سابقة، وحتى رأسية قاتلة في مواجهة أوروبية.
المشاهد اختلفت، لكن القاسم المشترك كان واحدًا، وهو الهدوء تحت الضغط والإيمان الجماعي بأن الفوز سيأتي مهما تأخر.
المدرب آرني سلوت لم يتردد في اتخاذ قرارات قد تبدو مغامرة، فأمام بيرنلي، لعب بسبعة لاعبين هجوميين في الدقائق الأخيرة، رافضًا الاكتفاء بالتعادل.
وضد أتلتيكو مدريد، واصل فلسفته بالضغط المستمر حتى الثانية الأخيرة، مدركًا أن خصمًا مثل الأتلتي لا يمكن التغلب عليه إلا بالإصرار المستمر.
ويقول أرني سلوت بوضوح “لا أريد أن أغادر الملعب وأنا أشعر أنني لم أستخدم كل أوراقي الهجومية”.
وإذا كان صلاح وفان دايك يمثلان الخبرة، فإن البدلاء قدموا قصصًا موازية، فكييزا جاء من على مقاعد البدلاء ليهز الشباك بعد دقائق قليلة من دخوله.
نجوموها احتاج 4 دقائق فقط ليكتب اسمه بحروف من ذهب أمام نيوكاسل، وحتى فريمبونج، الذي دخل متأخرًا أمام بيرنلي، كان سببًا مباشرًا في الحصول على ركلة الجزاء الحاسمة.
هذه المساهمات لا تصنع الانتصارات فقط، بل تبث رسالة قوية لبقية الفريق، بأن كل لاعب، مهما كان عمره أو وضعه، لديه القدرة على أن يكون البطل في لحظة ما.
EPA
بين المتعة والخطر
الجماهير تعيش حالة نشوة مع هذه الانتصارات الدرامية، لكن أصواتًا من داخل الفريق، تدرك أن هذه الطريقة محفوفة بالمخاطر.
أندي روبرتسون عبّر عن ذلك بقوله “علينا أن نبدأ بالفوز براحة أكبر. هذه الانتصارات تمنحنا الثقة، لكنها ليست خطة طويلة المدى”.
التاريخ القريب يعيد التذكير، حيث أن ليفربول في حقبة كلوب، كان متخصصًا في العودة بعد التأخر، لكن مع مرور الوقت، تلاشى هذا النمط، ومعه تراجعت فرص المنافسة على الألقاب.
وبين البريميرليج ودوري الأبطال، يكتب ليفربول، فصولًا جديدة من دراما اللحظات الأخيرة. من صلاح في بيرنلي، إلى سوبوسلاي وكييزا ونجوموها، وصولًا إلى رأسية فان دايك القاتلة في شباك أتلتيكو مدريد، يثبت الفريق أنه لا يعرف الاستسلام.
لكن السؤال يظل قائمًا: هل يستطيع سلوت تحويل هذه الظاهرة إلى جزء من استراتيجية طويلة الأمد؟ أم أن الجماهير ستستيقظ يومًا على حقيقة أن الحظ لا يدوم؟