منتخب الجزائر.. “آخر العلاج الكيّ”

انتهت مسيرة المنتخب الجزائري لكرة القدم في كأس أمم أفريقيا الكاميرون 2021، من الدور الأول للبطولة.. انتهت مسيرته بطريقة تعيسة محبطة، بعد تعادل وهزيمتين. وهو حامل لقب النسخة الأخيرة في مصر عام 2019، وصانع أفراح الجماهير الجزائرية والعربية على حد السواء، بفضل إنجازاته وانتصاراته وأرقامه الرائعة، أبرزها عدم خسارته في 35 مباراة متتالية (سلسلة امتدت لـ 38 شهرا).

قد نتحدث أو نكتب عن أسباب هذا السقوط، وسنجد الكثير منها، بل وأغلبها معروف لدى متابعي المنتخب وأهل الاختصاص، والأكيد أن الوحيد الذي يعرف جيدا أسباب هذا الإخفاق هو المدرب جمال بلماضي، وربما بعض المحيطين به في المنتخب والاتحاد، وستنكشف هذه الأسباب عاجلا أم آجلا ومن الأفضل أن تكون عاجلا..

ما حدث في الكاميرون كشف عن أمور عدة كان “ممنوعا” في السابق الحديث عنها وكأنها “خطوط حمراء” يجب عدم تجاوزها، وأبرزها أن المدرب بلماضي ولاعبيه بشر يخطئون ويصيبون، وقابلون للانتقاد بعيدا عن هالة “التقديس” و”التطبيل” التي كانت الجماهير تحيطهم بها، بل ومعها وسائل الإعلام المحلية… بعيدا عن توظيف العاطفة والشعبوية والتمييع، حتى يتم تشخيص الداء وإيجاد الدواء.

نعم بلماضي بشر يخطئ ويصيب مثله مثل باقي البشر، نعم بلماضي أخطأ على الأقل منذ تصفيات مونديال 2022 وأمام بوركينا فاسو بالذات، لكنه لم يعترف بأنه أخطأ.. ليس بعد تلك المباراة ولا حتى بعد الإقصاء من كأس أمم أفريقيا 2021!

تحمّل جمال بلماضي أو حُمّل ما لا يطيق، من مهام فنية وإدارية وتنظيمية، وحتى إعلامية وطبّية.. ما جعله يغفل عن دوره في التحضير والتدريب والتخطيط الفني، بل ووجد نفسه يتدخل في كل صغيرة وكبيرة محيطة بالمنتخب بداية من عشب الملعب إلى مراقبة بيانات اتحاد الكرة.. لماذا؟ لأنه فقد الثقة في كل محيطه تقريبا وفي النهاية هو بشر لا يمكنه أبدا أن يتخطى حدود قدراته البدنية والذهنية.

يجب الاعتراف اليوم بأنه لا أحد مارس دوره كما يجب في الانتقاد (الموضوعي)، لا الصحفي ولا المشجع ولا المدرب ولا المسيّر، ولا حتى أهل الاختصاص أدوا دورهم لإطلاق صفارات الإنذار.. والسبب معروف: الخوف من ردود أفعال سلبية من طرف الجماهير التي تعتبر بلماضي ولاعبيه خطا أحمر.. وللأسف هناك من استغلّ هذا المنتخب ومكتسباته لتنويم الجماهير وتوجيههم بطريقة شعبوية رديئة جدا.

لا يمكن القول اليوم إن الوضع خطير جدا، ولكنه بائس تعيس ومحبط، هذا المنتخب يعاني أزمة ثقة، أزمة ذهنية ونفسية، ومرحلة فقدان للثقة والتوازن.. ولكنه يمكن أن يعود سريعا وأقوى مما كان لأنه يمتلك كل الوسائل.

هناك رغبة قوية لحماية هذا المنتخب ومدربه ومكتسباته، ولكن يجب معالجة الوضع سريعا: عندما لا ينفع الدواء يجب اللجوء لـ”الكيّ”، هناك مشاكل عميقة جدا بين رئيس اتحاد الكرة شرف الدين عمارة والمدرب بلماضي من جهة، ومدير المنتخب من جهة أخرى، هذه المشاكل جعلت المنتخب ومكتسباته رهينة صراع محموم بين هذه الأطراف.

هناك إحباط لدى بعض اللاعبين، خاصة الجدد منهم، والذين فقدوا الحوافز وربما حتى الثقة، لعدم توظيفهم في إطار سياسة ضخ الدماء الجديدة، بعد أن صار المنتخب وأعمدته الأساسية كتابا مفتوحا لكل المنافسين.

عاش هذا المنتخب نفس التجربة التي يمر بها اليوم تقريبا عند مجيء بلماضي في صيف 2018، وبعد دراسته (بلماضي) العميقة للوضع ومشاورته لكل الأطراف المعنية بالأمر، شرع في تطهير المنتخب ومحيطه، واستدعى الأمر استبعاد الكثير من اللاعبين والإداريين وفرض صرامة قوية حول المنتخب، وتكلل ذلك بلقب إفريقي وسلسلة لاهزيمة استمرت 35 مباراة في ظرف أكثر من 3 سنوات.

اليوم.. يجب أن يبدأ “الكيّ” بطرح كل المشاكل على الطاولة وجها لوجه وبصراحة شديدة دون نفاق أو خداع.. لأجل حل كل هذه المشاكل ولو استلزم ذلك حدوث بعض “الأضرار” مثلما حصل عند قدوم بلماضي، ومن بينها التخلص من كل مسببات تعكير الأجواء داخل المنتخب ومحيطه من إداريين وفنّيين، وضخ دماء جديدة في الفريق.

الجزائر على مقربة من الدور الحاسم المؤهل لمونديال قطر 2022 بعد أقل من شهرين، الوقت قصير جدا، وهذا المنتخب لن يتجمع مجددا سوى في نهاية مارس/ آذار المقبل، يجب ألا نئد هذا الحلم تحت أي سبب من الأسباب، وإلا فإنها ستكون نهاية جيل من اللاعبين يستحق، على الأقل، “جائزة” المشاركة في هذا المحفل العالمي الكبير على ملاعب يعرفها المنتخب الجزائري وتعرفه جيدا..

هذه الرسالة موجهة أيضا لمن قام بـ”تعيين” رئيس الاتحاد، ولمن سعى ويسعى لحماية المنتخب ولاعبيه ومكتسباتهم، أنتم تحملتم مسؤولية إحداث التغيير على رأس الاتحاد في ربيع العام الماضي، وتحملتم ذات يوم مسؤولية اقناع بلماضي بالبقاء في منصبه.. يجب أن تتحمّلوها اليوم قبل فوات الأوان لإعادة الأمور إلى نصابها، وعدم الاكتفاء بتوجيه رسائل الدعم والتشجيع.. لأنها لن تغير من الوضع شيئا.

زر الذهاب إلى الأعلى