إفريقيا لا تشبه غيرها

رسمت كأس أمم أفريقيا الجارية حاليا في الكاميرون صورة فسيفسائية غريبة الأطوار، جمعت كل المتناقضات في سلة واحدة، وسط سيل جارف من الانتقادات للجهة المنظمة في ظل الهزات التنظيمية التي عرفتها البطولة، والطرائف المصاحبة لها، ما يجعل مشاهدة أمم إفريقيا تشبه كثيرا متابعة أفلام الأكشن، تجذبك رغم معرفتك بتفاصيل نهايتها، تغريك رغم كل الصلف والتعجرف اللذينِ رافقا مباريات دور المجموعات.

نسخة الكاميرون، وإن بدت أكثر غرابة من حيث الافتقار التنظيمي واللغط الذي رافقها، بدءا من تذبذب موعد انطلاقتها وصولا إلى الملاعب المهترئة والمظاهر الغريبة التي رافقت أطوارها، فإنها تمثل ثقافة سائدة للكرة الإفريقية رغم بعض الاستثناءات.. إفريقيا لا تشبه غيرها، ولا يمكن تشخيص أمراضها الكروية من دون العودة لتاريخ مليء بالغرابة والتندر في ملاعب القارة السمراء.

ملاعب غير صالحة للعب، مؤتمرات صحفية من دون ترجمة، تهديدات للاعبين من مجموعات انفصالية في مدينة ليمبي، شوارع أقرب إلى ثكنات عسكرية، وقلوب خافقة خوفا من حصول الكارثة، شطحات الجماهير ورقصاتهم الفريدة، كل هذا وأكثر يحدث في الكاميرون.

لكن وسط كل هذا الركام والصور القاتمة، تنجذب الجماهير لمشاهدة منتخباتها بشغف كبير، تتعطل دواليب الحياة، وتصبح الدراسة والعمل مسائل ثانوية، عندما يتعلق الأمر بمباريات لمنتخبات الجزائر وتونس والمغرب ومصر والسودان وموريتانيا وغيرها من الفرق العربية في كأس أمم أفريقيا.. ذلك هو شغف إفريقيا، وهذه هي الأجواء في كرة القدم الإفريقية، تشعر بقوة جذب رهيبة لكرة القدم، رغم غياب الأموال وعنجهية المسؤولين وسوء التنظيم.

لاعبون نجوم تعودوا على الطائرات الخاصة والخدمات الراقية وحياة البذخ في أوروبا، تجدهم يركبون حافلات عادية وسيارات أجرة للتنقل إلى التدريبات، ملاعب لا تحميهم من الإصابات وتضع مستقبلهم الكروي على المحك، لكنهم يقاتلون من أجل الوصول بعيدا ورفع اللقب، يتخلون عن مظاهر العظمة والتكبر، وينحون أمام جلالة الحدث، إنها “ماما أفريقا” التي تفرض عليهم نواميسها الخاصة وتجبرهم على الخنوع.

لا يختلف عاقلان على أن “كان” الكاميرون من أسوأ نسخ أمم إفريقيا، وأن الكرة الإفريقية تحتاج إلى سنوات عديدة للحاق بركب التميز والتألق على المستوى التنظيمي وعدم تكرار هذه السقطات، لكن شغف الكرة في إفريقيا يمنحك بارقة أمل للخروج من وحل التلوث وأغلال العبودية الكروية.

ورغم التندر الحاصل حاليا وموجات السخرية الجارفة على مواقع التواصل من هول الكوارث التنظيمية في الكاميرون، فإن دموع صبي واحد على ضياع ركلة جزاء في مباراة تونس ومالي، وسجدة صلاح في مباراة غينيا بيساو، وتحركات بلماضي الثائرة على خط التماس، وفرحة حكيمي العارمة، تجعلك فخورا بأنك تشاهد أمم إفريقيا التي لا تشبه أحدا.

زر الذهاب إلى الأعلى