رغم الأمجاد التي يواصل المنتخب المغربي تحقيقها على الساحة القارية والعالمية، فإنّ الغيوم بدأت تتلبّد في سماء “أسود الأطلس” خلال فترة التوقف الدولي الأخيرة، حيث طغت على المشهد نبرة من القلق والانتقاد، بعد تراجع الأداء النسبي في المباراتين الأخيرتين أمام البحرين وكونغو الديمقراطية، رغم تحقيق الفوز فيهما بالحد الأدنى من النتيجة.
المنتخب المغربي واصل كتابة التاريخ من جهة، لكنه فتح باب الجدل من جهة أخرى، فالأرقام تقول إنه المنتخب الوحيد في العالم الذي أنهى تصفيات كأس العالم بعلامة كاملة من الانتصارات، كما كسر رقمًا قياسيًا عالميًا ظلّ بحوزة منتخب إسبانيا منذ عام 2009، بعدما حقق 16 انتصارًا متتاليًا متجاوزًا الرقم الإسباني (15 انتصارًا).
ومع ذلك، لم يبدُ الشارع الكروي المغربي في مزاج احتفالي، بل اتسعت دوائر النقاش والنقد بين المحللين والنقاد والمدربين السابقين، الذين رأوا في الأداء الأخير مؤشرات تراجع مقلقة قبل نهائيات كأس أمم إفريقيا المقبلة.
الأداء الأقلّ إقناعًا، وغياب الفاعلية الهجومية المعتادة، إضافة إلى فتور الحماس الجماهيري مقارنة بالمباريات السابقة، كلها عوامل جعلت قادة “الأسود” وعلى رأسهم أشرف حكيمي يخرجون عن صمتهم للدفاع عن الفريق ومناشدة الجماهير الوقوف خلفهم، فيما لم يتأخر المدرب وليد الركراكي في الردّ عبر الإعلام، محاولًا ضبط إيقاع المشهد وتهدئة الأجواء قبل المعترك القاري الكبير.
حكيمي يخرج عن صمته: “لا نفهم سر الغضب!”
في موقف نادر، أطلق قائد “أسود الأطلس” وأحد رموز الجيل الذهبي المغربي أشرف حكيمي تصريحات صريحة ومفاجئة، عبّر فيها عن استغرابه من موجة الانتقادات الموجهة للمنتخب، رغم النتائج المبهرة التي حققها الفريق خلال الأشهر الأخيرة.
وقال حكيمي في تصريح لـ”ـ elkora.ma”: “أنا فعلاً مستغرب مما يحدث. لا أعلم سبب غضب الجماهير رغم أن منتخب بلادهم يتصدر التصفيات بالعلامة الكاملة. لقد حطمنا رقمًا تاريخيًا لإسبانيا صمد لأجيال، ولسنا بالسوء الذي يتم تصويرنا به. نحن ننتصر ونقدّم مستويات ثابتة، ومع ذلك نواجه موجة غير مفهومة من الانتقادات”.
KOOORA
وأضاف نجم باريس سان جيرمان: “أعتقد أننا نستحق بعض الدعم قبل كأس أمم إفريقيا. من الطبيعي ألا نفوز دائمًا بنتائج كبيرة، فكل المنتخبات باتت تحترمنا وتلعب أمامنا بتحفظ شديد. المهم هو الفوز، لأن التاريخ لا يذكر سوى المنتصرين، والتاريخ الآن يذكر أننا أصحاب رقم قياسي عالمي. أتمنى أن يعود الجمهور المغربي لدعمنا كما عهدناه، لأننا بحاجة إلى طاقته وحماسه”.
وختم حكيمي حديثه بنبرة طموحة: “الفوز بالكان حلم ينتظره كل المغاربة منذ عقود. سنقاتل لتحقيقه بإذن الله، لكننا نحتاج إلى مؤازرة جماهيرنا حتى نصل إلى القمة. هذا الجيل يستحق أن يُمنح الثقة، وسنثبت أننا قادرون على إسعاد المغاربة جميعًا”.
تصريحات حكيمي وجدت صدى واسعًا في الأوساط المغربية، خاصة أنه من اللاعبين القلائل الذين نادرًا ما يتحدثون بحدة أو انفعال. ولعل مكانته العالمية، بعد حلوله سادسًا في سباق الكرة الذهبية الأوروبية، جعلت صوته مسموعًا ومؤثرًا داخل وخارج الملعب.
أكرد يدعو للوحدة وإبراهيم دياز في مرمى الانتقادات
لم يكن نايف أكرد، مدافع مارسيليا الفرنسي وأحد القادة البارزين في صفوف المنتخب، بعيدًا عن خط الدفاع الذي شيده حكيمي، إذ قال: “بوصفي أحد أبناء هذا الوطن الذين انطلقوا من الدوري المحلي نحو الاحتراف، أفهم تمامًا شغف الجماهير وحبها الكبير للمنتخب، وأتفهم أيضًا عتبها. لكن في هذه المرحلة الحساسة، نحن بحاجة إلى دعمهم أكثر من أي وقت مضى”.
وأضاف أكرد: “ندرك أن الجماهير تطمح لرؤية أداء ممتع، لكن كرة القدم تطورت، وكل المنتخبات باتت تلعب بتنظيم دفاعي كبير أمامنا. المنتخبات التي سنواجهها في الكان لن تهاجم، بل ستكتفي بركن الحافلة أمام مرماها. لذلك يجب أن نصبر ونواصل العمل”.
KOOORA
في المقابل، طفت على السطح قضية أخرى تتعلق بتراجع مستوى إبراهيم دياز، لاعب ريال مدريد، الذي يعيش فترة من الفتور الفني مع المنتخب. فبعد أن كان هداف تصفيات كأس إفريقيا بـ8 أهداف، وبدأ مسيرته الدولية بقوة عقب اختياره اللعب للمغرب بدلًا من إسبانيا، دخل دياز في دوامة تراجع حاد، حيث لم يسجل في آخر 8 مباريات، وغاب عن التشكيلة الأساسية أمام زامبيا، كما تم استبداله في ثلاث مواجهات أخرى.
التراجع الواضح في مستواه أثار استياء الركراكي الذي يرى في دياز أحد مفاتيح الإبداع في الثلث الأخير من الملعب. لكن استمرار تذبذبه وضع علامات استفهام حول جاهزيته الذهنية قبل كأس الأمم الإفريقية.
الركراكي يرد: “انتقادات غريبة لجيل تاريخي!”
ولأن الضغوط بلغت ذروتها، خرج وليد الركراكي عن صمته هو الآخر، عبر مقابلة تلفزيونية، مدافعًا عن لاعبيه وعن فلسفته التي قادت المنتخب إلى أرقام غير مسبوقة في تاريخ الكرة المغربية.
وقال الركراكي: “صراحة، ما يحدث غريب جدًا. نحن نتعرض لأعنف انتقادات رغم أننا نملك رقمًا قياسيًا عالميًا، ولدينا جيل هو الأفضل في تاريخ الكرة المغربية. ما قاله حكيمي أكرره بدوري، نحن ننتصر ونتطور، والإحصائيات لا تكذب”.
وتابع: “بطولة أمم إفريقيا لها طقوسها الخاصة، ولا يمكن الحكم علينا من مباريات ودية أو تصفيات. لا أفهم سر هذا التشاؤم الذي يسيطر على البعض، وكأننا نعيش أزمة، بينما نحن نكتب التاريخ بأقدامنا”.
وعن وضع إبراهيم دياز، أوضح الركراكي: “صحيح أن إبراهيم مرّ بفترة تراجع نسبي، لكنه لاعب كبير وسيتدارك الوضع. أثق به وبكل عناصر المنتخب، وسنستعيد بريقنا في الوقت المناسب”.
وختم المدرب تصريحه برسالة مؤثرة للجماهير المغربية: “من المؤسف أن نلمس تذمرًا في الداخل، بينما نُقابل بحفاوة من مغاربة المهجر الذين يؤمنون بنا. أقولها بوضوح: هذا الكان لن يفوز به الركراكي وحده، بل بدعم جمهورنا. أثق أن من يحب الأسود سيقف خلفهم حتى النهاية، ونحن بدورنا لن نخذلهم أبدًا”.
وتُبرز هذه الحالة المعقدة داخل المشهد الكروي المغربي التناقض بين لغة الأرقام التي تُنصف الركراكي ولاعبيه، ولغة العاطفة التي تحكم الجماهير المتعطشة للمتعة والأداء الجمالي.
فالمنتخب المغربي لم يعد “الحصان الأسود” كما في مونديال قطر، بل أصبح “الفريق المرعب” الذي يلعب الآخرون أمامه بحذر شديد. ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي في كيفية الحفاظ على هذا الزخم وتحويله إلى إنجاز ملموس في “الكان”.
KOOORA