تتواصل موجة الإقالات في الدوري المغربي لكرة القدم بشكل لافت ومثير للجدل، بعدما طالت في الأسابيع الأولى من الموسم أسماء وازنة على مقاعد الأجهزة الفنية، لتكشف عن حالة من الارتباك الإداري وغياب الرؤية داخل عدد من الأندية.
آخر الضحايا كان أمين الكرمة، مدرب أولمبيك آسفي، الذي وجد نفسه خارج أسوار النادي الذي تربى فيه، رغم كونه صاحب الإنجاز الأبرز في تاريخه، بعدما قاده الموسم الماضي للتتويج بأول لقب رسمي “كأس العرش”، إثر فوزه المثير على نهضة بركان في النهائي.
ورغم أن الكرمة حقق قبل أسبوعين فقط انتصارًا عريضًا على نادي نجيليك من النيجر بنتيجة (6-0) في مجموع مباراتي الدور التمهيدي لبطولة كأس الكونفدرالية الأفريقية، إلا أن خسارة واحدة أمام الجيش الملكي بثلاثية نظيفة كانت كفيلة بإنهاء علاقته مع النادي، في مشهد يعكس هشاشة الثقة بين الإدارات والمدربين في الكرة المغربية.
ما يجعل الإقالة أكثر إثارة للدهشة أن الكرمة يُعد “ابن الدار”، إذ نشأ في صفوف أولمبيك آسفي لاعبًا ومدربًا، واحتفل به جمهور المدينة الموسم المنصرم كبطل تاريخي أعاد للنادي هيبته، ومنحه شرف أول مشاركة أفريقية في تاريخه عبر بوابة الكونفدرالية.
مصادر خاصة لـ”ـ elkora.ma” أكدت أن الانفصال بين الطرفين لم يكن بسبب الخسارة من الجيش الملكي، بل بسبب توتر داخلي تراكم منذ أسابيع، إذ أوضحت المصادر أن “الكرمة كان مستاءً وهدد بالرحيل قبل مواجهة نجيليك بسبب الوضعية النفسية الصعبة للاعبين، بعد تأخر صرف مستحقاتهم المالية، إضافة إلى الضغوط الكبيرة التي تعرض لها الموسم الماضي، والتي أثرت على صحته وجعلته يُلوّح بالاستقالة أكثر من مرة”.
وأضاف المصدر ذاته: “ما يحدث في الكرة المغربية حاليًا غريب جدًا، خصوصًا على مستوى تعامل الأندية مع المدربين المحليين، هناك تناقض واضح بين الاستقرار الفني الذي تعيشه المنتخبات الوطنية، والفوضى التي تضرب الأندية. الكرمة هو المدرب المغربي الوحيد الذي نال شرف التتويج بكأس العرش مرتين مع ناديين مختلفين (بركان وآسفي)، وقادهما معًا للمشاركة القارية، ورغم ذلك يُغادر بهذه الطريقة الغريبة”.
كبش فداء
ظاهرة إقالة المدربين لم تعد مفاجئة في الدوري المغربي، بل تحوّلت إلى عرف متكرر، إذ يرى كثيرون أن الإدارات تجد في الإطاحة بالمدربين “كبش فداء” مثاليًا لامتصاص غضب الجماهير بعد أي تعثر.
ويقول أحد المسؤولين السابقين في رابطة المدربين المغاربة إن “المدرب أصبح الحلقة الأضعف في المنظومة، يُحمّل المسؤولية الكاملة عن النتائج، بينما الأزمة الحقيقية تكمن في سوء التسيير وغياب الإستراتيجية طويلة المدى”.
وتبرز أمثلة عديدة على ذلك، أبرزها إقالة التونسي الأسعد الشابي من تدريب الرجاء رغم أنه لم يخسر أي مباراة، وإقالة رشيد الطوسي من الكوكب رغم سجله المحترم وخبرته الطويلة مع المنتخبات الوطنية.
هذه الوقائع تؤكد أن الضغط الجماهيري والرغبة في تحقيق نتائج فورية يدفعان الإدارات إلى اتخاذ قرارات متسرعة لا تراعي الجانب الفني أو النفسي.
وفي المقابل، حاولت رابطة المدربين المغاربة حماية زملائهم من تبعات هذه القرارات العشوائية، فنجحت مؤخرًا في تمرير قانون جديد يسمح للمدربين بخوض تجربة ثانية في الموسم نفسه، بعدما كان ذلك محظورًا وفق النظام السابق، حتى لا يتعرضوا لأزمات مالية واقتصادية بعد الإقالة المبكرة.
غياب المدير الرياضي
يرى عدد من المتابعين أن من أبرز أسباب هذه الظاهرة هو غياب المدير الرياضي داخل أغلب الأندية المغربية، إذ يسيطر المسيرون والإداريون على القرارات الفنية، ويتدخلون في اختيار التشكيل أو التعاقدات، ما يؤدي إلى صدام مباشر مع المدربين، وانفجار الأزمات مبكرًا.
هذا التدخل الإداري المفرط جعل المدرب مجرد منفّذ لتوجهات الإدارة، لا صاحب مشروع فني متكامل، وهو ما انعكس على ضعف الأداء، وعدم استقرار الأجهزة الفنية.
ضحايا منتظرون
مصادر ـ elkora.ma أكدت أن مسلسل الإقالات لن يتوقف قريبًا، وأن الرقم القياسي الذي سُجّل الموسم الماضي بإقالة 39 مدربًا مرشح للتحطم هذا الموسم.
فنادٍ مثل الرجاء مثلًا تناوب عليه 5 مدربين في موسم واحد، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الكرة المغربية.
وتشير المعطيات إلى أن 5 أندية أخرى تستعد بدورها لتغيير مدربيها بعد فترة التوقف الدولي المقبلة، إذ بدأ مسؤولوها التحرك فعليًا للتفاوض مع بدلاء، مستغلين فترة الراحة لاستباق النتائج السلبية المقبلة، خصوصًا أن هذه الفرق لم تحقق أي انتصار حتى الآن في الدوري.
أزمة إدارية
في نهاية المطاف، تُجمع كل الآراء على أن ما يحدث ليس أزمة كفاءات تدريبية، بل أزمة تسيير إداري بحتة.
فالرؤساء والمجالس يختارون الحل السهل بإقالة المدرب كلما اهتزت النتائج، دون النظر إلى الأسباب الأعمق أو التخطيط للمستقبل.