ايتو اللاعب الذي ظلمه الريال وانتقم مرتين

في أدغال إفريقيا، بعمر السادسة عشرة، لن يكون في مقدور ناشئ عاشق لكرة القدم أن يتخيل إتيان مندوبي ريال مدريد، أهم نادٍ أوروبي في القرن العشرين، إلى أكاديمية كادجي لرعاية المواهب، كي يجلبوه ويحولوا شغفه بتلك الرياضة إلى حقيقة!.. لن تصدق أمك قطعًا أنك ستبدأ مشوارك الاحترافي في ريال مدريد مباشرة، لن تحتاج إلى رحلة شاقة لفرنسا قد لا يستطيع والداك تدبير نفقاتها لك، في عمر السادسة عشر، أتى ريال مدريد إلى الكاميرون كي يقدم هذا الكنز النادر إلى العالم، صامويل إيتو!.
الماسة تُصقل
ذلك الشاب قوي البنية، التحق بأكاديمية ريال مدريد للناشئين في 1997، ولكنه لم يستطع سوى التدرب مع «ريال مدريد بي» لأنه كان صغيرًا جدًا على اللعب جوار عمالقة مثل راؤول ومياتوفيتش وفيرناندو هييرو وجوتي، وحينما هبط فريق ريال مدريد بي، إلى دوري الدرجة الثالثة، حيث لا يمكن لأي لاعب من خارج الاتحاد الأوروبي أن يلعب، كان لزامًا أن تتم إعارة إيتو، وهو ما حدث، إلى الجار ليجانيس، الذي مكث معه موسم 2007-2008، ليشارك في 30 مباراة مع الفريق المدريدي، ويسجل 4 أهداف، ويعود إلى مدريد موسم 1998-1999، منتظرًا مشاركة أولى مع الفريق الأول بريال مدريد، تحققت أمام إسبانيول، إذ شارك في 23 دقيقة وانتهى اللقاء سلبًا دون أهداف.
بندان لا ينساهما الريال
حينما أتى موسم الانتقالات الشتوية، كان الموعد مع إعارة أخرى إلى إسبانيول، لم يستطع إيتو خلالها أن يشارك إلا في مباراة وحيدة بكأس ملك إسبانيا، دون أن يظهر بالشكل المطلوب، ليعود إلى ريال مدريد مرة أخرى موسم 1999-2000 ويشارك في أعلى معدل من المباريات منذ قدومه إلى إسبانيا، 171 دقيقة في 6 مباريات، لم تقنع ريال مدريد كي يرحم إيتو من مسلسل الإعارات، لكن هذه الإعارة كانت مختلفة إلى حد كبير، إذ لم يتوقع أحد في العالم كله أن تسفر عما أسفرت عنه، أعير إيتو في الانتقالات الشتوية إلى مايوركا بنية العودة لآخر الموسم، لينفجر إيتو في النصف الثاني من الموسم، ويسجل 6 أهداف جعلت مايوركا يطلب استقدامه رسميًا من ريال مدريد.

استقدم مايوركا إيتو ليمضي عقدًا دائمًا مع مايوركا، العقد الدائم الأول لإيتو في إسبانيا، كان ذلك بقيمة 4.5 مليون يورو، مع بندين هامين للغاية في العقد، الأول أحقية ريال مدريد في الحصول على خدماته لدى أي عملية بيع، والثاني أن يكون لريال مدريد نصف قيمة انتقاله من مايوركا إلى أي نادٍ.
شر انتقام
أضحى إيتو جزءًا من جيل لن ينسى في تاريخ مايوركا خلال 4 سنوات مكث فيها لدى مايوركا، إلى جانب الكاميروني، كان يوجد إيباجازا ووالتر بانداني وسولير ورييرا والعديد من اللاعبين الذين سيتألقون فيما بعد في ملاعب إسبانيا المختلفة، إيتو كان درة هذا الجيل، وأهم لاعب به، ومعشوق الجماهير الأول.

الأهم من كل هذا، أنه انتقم شر انتقام من ريال مدريد، هل تعرف ما معنى أن تنتشل أحدهم من غياهب إفريقيا وتعده بالمجد في صفوفك، ثم تعطله كل تلك المدة؟ الانفجار لابد أن يكون قويًا، وستتاح الفرصة من جديد للانتقام بعد سنوات، حينما يصفعه ريال مدريد صفعة أخرى سيأتي ذكرها لاحقًا، إيتو سجل خلال 4 سنوات، 7 أهداف في مرمى ريال مدريد.

مباراتان لا ينساهما أي مشجع لريال مدريد إذا ذكر إيتو مع مايوركا، يمثلان الذكريات الأكثر كآبة على الإطلاق للنجم الكاميروني.

الأولى موسم 2002-2003، وبالتحديد في ربع نهائي كأس ملك إسبانيا، حينما واجه مايوركا ريال مدريد في ربع النهائي.

بعد جولة الذهاب في البيرنابيو، والتعادل الإيجابي 1-1، كان الموعد على ملعب إيبيروستار معقل مايوركا، لحسم تلك القمة التي افترس فيها مايوركا وأسده الأبرز إيتو جيلًا تاريخيًا لريال مدريد، برباعية تاريخية أمضى إيتو على هدفين منها، ليتأهل مايوركا إلى نصف نهائي البطولة التي حصد لقبها، وهو الوحيد لمايوركا في القرن الحادي والعشرين، وأحد الألقاب القليلة للغاية في تاريخ الفريق الأحمر.

المباراة الثانية، كانت في الموسم الأخير لإيتو مع مايوركا، حين استضاف ريال مدريد نظيرها مايوركا على ملعب البيرنابيو، مباراة تفنن إيتو في إذاقة الميرنجي الأمرين خلالها، حيث سجل هدفين رائعين في شباك إيكر كاسياس، عانى ريال مدريد لتعويضهما بثلاثية، لكن ناقوس الخطر كان يدق بقوة لدى الجميع في مدريد، يجب أن يأتي هذا الفتى إلى مدريد بسرعة قبل أن يخطفه غيرنا، الكل كان يرى، إلا رجل واحد، فلورنتينو بيريز.

«أحب كل شيء هنا»

بخلاف تسجيل 70 هدفًا في 165 مباراة، قد يلخص كل شيء حول ما كان يعنيه إيتو بالنسبة لجماهير مايوركا، تصريح رئيس النادي حينئذ ماتيو آليماني، والذي قال: «أشك أن هناك لاعبًا في العالم يستطيع إسعاد جماهير فريق ما في الوقت الراهن مثله».. إيتو نفسه قال: «أنا أحب كل شيء هنا في مايوركا، لطالما بحثت عن هذا، أنصار يقدرونني، وعلى العموم لا يزال لدي عقد ممتد حتى 2007».. كان ذلك قبل أن يقود إيتو نفسه مايوركا إلى إنجاز تاريخي في 2003، بالفوز على ريكرياتيفو هويلفا 3-0، في مباراة سجل بها إيتو هدفين بنهاية اللقاء، ليحقق اللقب التاريخي لمايوركا.

على الرغم من تألق إيتو المشهود مع مايوركا، لم يسع ريال مدريد إلى الاستفادة من بند أحقية الشراء طيلة 4 مواسم، ليأتي عرض مختلف تلك المرة، كان على ريال مدريد أن يحسم أمر إيتو من خلاله، الغريم التقليدي برشلونة يدخل بقوة لضم إيتو قبل انطلاق موسم 2004-2005، عرض رسمي من النادي الكتالوني بقيمة 24 مليون يورو، مايوركا عرض على ريال مدريد الأمر برمته، وكانت لدى بيريز الكلمة الأخيرة.

صفعة أخرى!

إيتو كان ينتظر في ذلك الوقت أن يجلبه ريال مدريد مرة أخرى، على الأقل أن يترك مايوركا يقرر مصيره في ذلك الوقت المهم من مسيرته، كان عمره حينئذ 23 عامًا، لكن بيريز أصر على إهانة ريال مدريد من جديد!.

الرئيس المثير للجدل طيلة تاريخه مع مدريد، رفض بند الشراء بسعر مخفض، وتمسك بشيء وحيد يهين إيتو، بل وأعلنه لوسائل الإعلام، ريال مدريد سيوافق على بيع مايوركا إيتو لصالح برشلونة، وسيحصل على 12 مليون يورو حصيلة حقه في قيمة الانتقال «نصف بطاقة اللاعب».. والأهم أن هذه القيمة ستدخل في صفقة جلب مايكل أوين من ليفربول حينذاك، والتي لم تتخط ذات القيمة بالإضافة إلى انتقال أنطونيو نونيز مجانًا إلى ليفربول، الأهم حينذاك أن الإهانة وصلت لإيتو، «سيتم الاستغناء عنك مقابل أن نأتي بمهاجم آخر، على الرغم من كل ما تفعله!».

في الثاني عشر من أغسطس عام 2004، ضم برشلونة إيتو رسميًا، وأعلن في مؤتمر صحفي مليء بالتفاصيل «التي سنذكرها في الجزء القادم» أن النجم الكاميروني أصبح لاعبًا رسميًا ضمن صفوفه.

سينتقم إيتو من ريال مدريد شر انتقام مرة أخرى، وسيرد الصاع صاعين في كاتالونيا بعد عام واحد فقط، وسيسب مدريد علنًا أمام جماهير الغريم التقليدي، وسيدري فلورنتينو بيريز، الذي لم يمكث لديه أوين إلا عام واحد فقط، الأسد الذي أضاعه!.

زر الذهاب إلى الأعلى