منذ استحواذ تود بويلي ومجموعة “بلو كو” على نادي تشيلسي في عام 2022، بدا واضحًا أن استراتيجية الانتقالات داخل النادي تعاني من حالة من العشوائية والتخبط، إذ أبرم النادي صفقات ضخمة دون رؤية واضحة أو انسجام في اختياراته.
ومع مرور الوقت، بدأت تتشكل ملامح خطة مختلفة، تقوم على استقطاب المواهب الشابة بغض النظر عن التكلفة، في محاولة لبناء جيل جديد قادر على إعادة الفريق إلى واجهة المنافسة المحلية والأوروبية.
هذه الاستراتيجية التي تعتمد على الاستثمار طويل المدى، جلبت بالفعل أسماءً لامعة إلى ستامفورد بريدج، لكنها في الوقت ذاته وضعت المدرب الإيطالي إنزو ماريسكا أمام تحدٍ كبير يتمثل في كيفية التعامل مع قائمة مكتظة بالمواهب، وتكوين مجموعة متجانسة تمتلك القدرة على حصد البطولات.
عكس التيار
ماريسكا كان واضحًا منذ وصوله، فهو يفضّل العمل مع مجموعة صغيرة من اللاعبين لضمان الانسجام وتثبيت الأفكار الفنية، لكنه وجد نفسه مضطرًا للتأقلم مع واقع جديد فرضته الإدارة الرياضية التي واصلت ضخ الصفقات الواعدة في مختلف المراكز، لا سيما في الخط الأمامي.
وخلال فترة الانتقالات الصيفية الحالية، أنفق تشيلسي ما يقرب من 190 مليون جنيه إسترليني للتعاقد مع أربعة لاعبين هجوميّين هم ليام ديلاب وجواو بيدرو وجيمي جيتينز والجوهرة البرازيلية إستيفاو، ليعزز الفريق كثافته الهجومية بوجوه شابة تُبشّر بالكثير.
ليام ديلاب القادم من إبسويتش تاون مقابل 30 مليون جنيه إسترليني قدّم أداءً لافتًا في الموسم الماضي، حيث سجّل 13 هدفًا وصنع 3 رغم هبوط فريقه من الدوري الممتاز، ويُنظر إليه على أنه المهاجم الأكثر فعالية مقارنة بنيكولاس جاكسون الذي أحرز نفس عدد الأهداف لكنه أضاع العديد من الفرص السهلة، ويفتقر للصلابة في الثلث الأخير من الملعب.
ديلاب يتميز بالقوة البدنية والقدرة على لعب دور رأس الحربة التقليدي، ويجيد التمركز داخل منطقة الجزاء والتعامل مع الكرات العرضية، وهي مميزات افتقدها تشيلسي كثيرًا في الموسم الماضي. ومع بداية الموسم الجديد، يبدو ديلاب مرشحًا ليكون الخيار الأساسي في الخط الأمامي، بينما يتحول جاكسون إلى ورقة هجومية بديلة.
أما جواو بيدرو، الذي جاء من برايتون مقابل 60 مليون جنيه إسترليني، فيحمل طابعًا تكتيكيًا مختلفًا، فهو ليس مهاجمًا صريحًا، بل لاعب يجيد اللعب خلف المهاجم أو كصانع ألعاب متقدم، واستطاع الموسم الماضي تسجيل 10 أهداف وصناعة 7، مع تميّز واضح في قراءة اللعب والتمركز بين الخطوط وتوزيع الكرات.
بيدرو يمنح ماريسكا مرونة إضافية في تطبيق أفكاره، سواء في مركز الرقم 10 أو كجناح متقدّم عند الحاجة إلى تغيير الرسم التكتيكي.
وفي الطرف الآخر من الملعب، جاء التوقيع مع جيمي جيتينز مقابل 48 مليون جنيه من بوروسيا دورتموند، ليعالج النقص الكبير في مركز الجناح الأيسر، خاصة بعد انخفاض مستوى لاعبي الطرف في تشكيلة الموسم الماضي.
جيتينز البالغ من العمر 20 عامًا يمتلك خصائص هجومية واضحة، يتمتع بالسرعة والمهارة في المراوغة والجرأة في مواجهة المدافعين، وقد سجّل 12 هدفًا وصنع 5 في الموسم المنقضي، ما يجعله مرشحًا قويًا لحجز مركز أساسي في تشكيل ماريسكا. على الجهة اليمنى، يظهر اسم إستيفاو، النجم البرازيلي الصاعد الذي انضم من بالميراس مقابل 52 مليون جنيه إسترليني. رغم عمره الصغير الذي لم يتجاوز 18 عامًا، إلا أنه أظهر لمحات كبيرة من الجودة، وسجّل هدفًا رائعًا في مرمى تشيلسي خلال كأس العالم للأندية، قبل أن ينتقل رسميًا إلى صفوفه، ورغم احتمالية إعارته لمزيد من التطوير، إلا أن وجوده ضمن المجموعة الحالية يمثل خيارًا إضافيًا قد يفاجئ الخصوم.
التحدي الحقيقي
تكتيكيًا، من المنتظر أن يعتمد ماريسكا على خطة 4-2-3-1 التي تناسب توزيع العناصر الجديدة، حيث يلعب ديلاب في المقدمة، وبيدرو خلفه، وجيتينز في الجهة اليسرى، مع تناوب بين إستيفاو وكول بالمر في الجهة اليمنى. هذه التوليفة تقدم مزيجًا من القوة والسرعة والإبداع، وتمنح الفريق طابعًا مختلفًا عما كان عليه في المواسم الماضية.
ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي أمام ماريسكا لا يتمثل فقط في إيجاد التوليفة المناسبة، بل في تحقيق التجانس داخل غرفة الملابس وبين خطوط اللعب، خصوصًا مع تزايد عدد اللاعبين الشبان وتواصل سياسة التكديس المستمرة من قبل الإدارة.
تشيلسي في موسم 2025-2026 سيكون فريقًا مختلفًا تمامًا، يمثل مشروعًا طموحًا يقوده مدرب واعد ومجموعة من اللاعبين المتحمسين، لكن طريق العودة إلى منصات التتويج لا يزال يتطلب الكثير من العمل والانضباط والهدوء تحت الضغط.
فهل ينجح ماريسكا في إعادة البلوز إلى الواجهة؟ أم سيكون مصيره كمصير من سبقوه في زمن الإدارة الجديدة؟ الإجابة ستحملها جولات الموسم المقبل.