المنتخب المغربي والوسطاء… معاناة لا تنتهي!

خلال المؤتمر الصحفي الأخير لوليد الركراكي، مدرب المنتخب المغربي لتقديم قائمة الأسود، أثيرت قضية في غاية الخطورة وتتمثل أساسًا في تدخل بعض الوسطاء (وكلاء) بكل طرق الضغط لتوجيه الدعوة إلى عناصر معينة، وهذا الأمر الذي لم يستسغه الركراكي، وهو من قال بالحرف الواحد لحظة تقديمه مدربًا وطنيًا خلفًا لوحيد حاليلوزيتش: “لا رضوخ لإرادة ورغبات الوسطاء”.

وأبى الركراكي آنذاك إلا أن يُعاند جميع المهتمين والجمهور واتحاد كرة القدم بتصريح “مثير وصريح” قد يُخفي شيئًا ما، وكما يقول المثل “وراء الأكمة ما وراءها”، هذا التصريح أثار زوبعة في الأوساط الكروية بالمغرب، ولا يمكن أن نمر على تصريحه مرور الكرام دون أن نتوقف عنده، ونتساءل بشأن ما ورد فيه:

أكد المدير الفني، الركراكي، أنه ليس من أولئك الذين ينصاعون لضغط الوكلاء، مشددًا على أن من يستحق الالتحاق بالمنتخب الوطني، سيكون الباب مفتوحًا أمامه دون تدخل من الوكلاء.

وأضاف أنه ليس من عشاق “الضجيج”، مؤكدًا أن كل لاعب برز في أربع مباريات لا يعني التزامه باستدعائه فورًا، وأشار إلى عمله في إطار واضح، وأن من يستحق حمل القميص الوطني سيحصل على ذلك ولن يظلم أحدًا. انتهى كلام وليد لكن من بين سطوره سنستشف الرسائل المشفرة لفك شفرتها.

هيمنة الوكلاء وتدخلاتهم، زمنها قد ولّى، وأراد الركراكي القطيعة معها شكلًا ومضمونًا، فقد فطن لتأثيرهم وتسلطهم ولحركاتهم التي لا تدخل في دائرة اختصاصهم، وهذا ما جعل الفيفا يضع الإطار الواجب العمل فيه.

لكن مع أي مناسبة منافسات كأس العالم أو كأس أفريقيا إلا ونجد المتربصين باللاعبين وحتى المدرب حاضرين ينشطون بكل الوسائل، يحصون كل كبيرة وصغيرة للاعبين لإبرام العقود والفوز بالصفقات، الأمر الذي يدخِل اللاعبين في متاهات شتى ويفقدهم التركيز.

وسبق لبعض هؤلاء أن عاثوا فسادًا بتدخلاتهم، وتسلط بعضهم على بعض المدربين السابقين داخل المنتخب الوطني، وجعلهم (دمى) يحركونها بطرقهم متى شاؤوا، والأدهى من ذلك أنهم أقحموهم في دوامة لم يخرجوا منها إلا بعد افتضاح أمرهم؛ فخرجوا من بوابة تدريب المنتخب الوطني صاغرين.

وما أثارني في رد الركراكي اشتغاله في إطار واضح، كيف لا وقد حمل القميص الوطني ويعرف كل ما يحيط به من كبيرة وصغيرة!

لكن الآن تغير كلام وليد الركراكي في مؤتمره الصحفي الأخير، حيث شدد على أنه صاحب القرار الأول والأخير داخل الفريق الوطني، ولا يسمح بأن تملى عليه قرارات أي كان، نافيًا وجود أي تدخل مباشر لوكلاء اللاعبين في اختياراته، وبالمقابل لم ينفِ ربط قنوات الاتصال معهم لبحث مستجدات اللاعبين، وهو أمر معمول به داخل كل منتخبات العالم.

وأوضح الركراكي أن لائحة المنتخب الوطني تضم في الوقت الحالي 25 لاعبًا، يدير أعمالهم حوالي 20 وكيلًا، الأمر الذي يوضح أن الوكلاء لا سلطة لديهم داخل الفريق الوطني.

لكن ما رأيه في حضور لاعبين دوليين سابقين في محيط المنتخب المغربي، والذين يشتغلون في عالم الوساطة؟!

والأدهى من ذلك أن تربصهم بالعناصر الوطنية تجاوز الفنادق ليصل إلى ولوجهم لأرضية الملاعب، رغم أنف الجميع.

كنا ننتظر ردة فعل من اتحاد الكرة على هذا التصريح؛ لأن ما ورد في تصريحه “إشارات تستدعي قراءة متأنية”، وجب التعامل معها، ما يجعلني أطرح السؤال التالي، هل بهذا الخروج القوي للركراكي سينام قرير العين؟ لا أعتقد؛ فهناك لوبيات ستسعى إلى تقويض أي فلسفة وعمل مستقبلي يحد من هيمنتها وتسلط بعض وسطائها، وستحاول توجيه ضربات تحت الحزام بلغة الملاكمة.

ولا أخفي سرًا أن بعض الوكلاء يحاولون الهيمنة على محيط المنتخب الوطني منذ زمن بما يتمتعون به من نفوذ؛ لتمرير صفقاتهم وضمان الربح المادي، لأن القيمة السوقية للاعب ترتفع كلما استُدعيَ لحمل القميص الوطني، وهذا مربط الفرس.

هذا ونحن على مسافة قريبة من منافسات كأس أمم أفريقيا 2022، ومع بداية كل دورة، يتحول المنتخب إلى ساحة للمنافسة؛ لكن ليس من أجل إحراز لقب التظاهرة الأرقى قاريًا، بل لمراقبة اللاعبين المشاركين في الحدث للظفر بالطائر النادر وعقد صفقات انتقالات جديدة.

كما تصبح الملاعب التي تحتضن المنافسات بمثابة سوق حقيقية لمعاينة أبرز اللاعبين واكتشاف مواهب جديدة، يشعل فتيلها «وسطاء» أو «وكلاء» يظلون الحلقة الخفية في كأس أمم أفريقيا، خاصة أن هذه الأخيرة تتزامن دورتها الحالية مع فترة فتح باب انتقالات اللاعبين الشتوية في مختلف أنحاء العالم، حيث تسعى جل الأندية إلى تعزيز صفوفها.

وتسهم «حمى» الانتقالات في جعل سوق اللاعبين الأفارقة وحتى العرب منهم على صفيح ساخن، بالنظر إلى اهتمام اللاعبين أنفسهم بعقد صفقات، وسعيهم للحصول على أفضل العروض وإتمامها في أقرب الآجال، حتى تكون المشاركة الأفريقية ناجحة، مما يجعل اللاعبين يفكرون في العقود والصفقات تحت تأثير وكلائهم وينسون المنافسة والبذل والعطاء، ويدخلون في متاهات تدخلهم في دوامة التواضع، وهذا ما حدث لبعض اللاعبين خلال نهاية كأس العالم الذين ناموا في واد العسل، واستيقظوا على سراب قاتل وهي سيناريوهات يتخيلها، وينسج خيوطها وسطاء تغيب عنهم أبسط أبجديات أخلاقيات مِهْنَتِهم.

زر الذهاب إلى الأعلى