الناشئون الأفارقة في ملاعب أوروبا – صفقات مستغلة أم حلم يتحقق

لاعبو كرة القدم الأفارقة مرغوب فيهم في أوروبا: فهم يُعتبرون موهوبين ومنخفضي التكلفة ـ ويحلمون بالفرصة الكبيرة المتاحة. وكلاء لاعبين مزعومون يأتون بأشخاص تحت سن الرشد. لكن من لا يجلب المال يتم التخلي عنه.
سيرافين فودجو يقف بانتظام على حافة ملعب كرة القدم الصغير في أندرلخت، إحدى ضواحي بروكسيل. إنه ينحدر من الكاميرون ويتدرب هنا بانتظام مع شباب جاؤوا وتغمرهم أحلام كبيرة. ويقول فودجو: “الغالبية يأتون من الكاميرون وساحل العاج وبوركينا فاسو”. قصصهم تتشابه: “وكلاء لاعبين مزعومون لا يعرفون شيئا عن كرة القدم يلتقون العائلات ويعطوهم وعوداً بأن الطفل سيحصل على عقد في أوروبا”، كما يحكي فودجو، الذي يضيف أن: “الأبوان يقومان بكل شيء، يجمعان المال الضروري كي يتمكن الطفل من السفر بالطائرة إلى أوروبا. ولإضفاء شيء من المصداقية، فإن أولئك الوكلاء يصحبون معهم متواطئين أوروبيين. ويهتمون بالحصول على جواز السفر والوثائق المختلفة. والعائلات تدفع حتى عشرة آلاف يورو”.

لا جواز سفر ولا أكل ولا دعم

يسافر الطفل مع أمل كبير ثم يُترك في الغالب لوحده في الفندق، يقول فودجو، ويوضح الصبي الكاميروني: “يقول الوكيل له إنه سيعود قريبا، ولا يفعل ذلك، ويبقى الطفل لوحده بدون جواز سفر ويتم طرده من الفندق”. وفي الغالب يصل هؤلاء الأطفال في النهاية إلى فودجو، كما يقول هو. إنهم يواصلون التدريب ويعيشون بين أمل تحقيق النجاح يوما ما والخوف من الاعتقال والترحيل إلى وطنهم. والعودة طواعية ستعني الاعتراف بالفشل ـ وهذا غير مقبول لشخص استثمرت عائلته مبلغاً كبيراً من المال.

لاعب كرة القدم ألويس نونغ عايش هذا الشيء. لقد تم اكتشافه في الكاميرون من قبل “شقيق كبير” له تأثير، وأقنعه بالسفر إلى أوروبا للعمل كلاعب محترف. “ٌقمت بتجربة لدى فريق نيس. والمدير الرياضي للأكاديمية كان مسروراً، إلا أن وكيل أعمالي طلب الكثير من المال. فريق نيس لم يكن مستعداً لاستثمار الكثير من المال”. وبالتالي تبخرت الفرصة.

ألويس نونغ وثمانية شباب آخرون كانوا يقيمون عند عائلة ويبيتون جميعهم في صالة الضيوف. ولا يحق لهم خلال اليوم البقاء في الشقة. “كان شهر يناير/ كانون الثاني، وكان الطقس بارداً ولم تكن لدينا ملابس دافئة”. وحتى الأكل لم يكن متوفراً لديهم. “توجهنا عدة مرات إلى السوبر ماركت، وأكلنا هناك. الحارس كان يتغاضى عنَّا، لكن لم يكن مسموحاً لنا بأخذ شيء معنا”. وبعد عام طردت العائلة ألويس نونغ والشباب الآخرين. والشاب تمكن من التواصل مع أقرباء. وبموازاة ذلك واصل التدريب إلى أن تعاقد مع نادي بلجيكي. واليوم يلعب في إيران.

“كيلوغرام من القطن أو الكاكاو”

وفي الغالب يخسر اللاعبون الشباب. “ومن ينجح، يكسب في النهاية كثيراً من المال”، يقول كريستوف غلايز، وهو صحفي فرنسي ومؤلف كتاب “العبودية الحديثة للاعبي كرة القدم الأفارقة”. فاللاعب الإفريقي، في حضن نادي أوروبي، بإمكانه أن يكسب أموالاً من 500 وحتى 1000 ضعف ما يكسبه في إفريقيا. “ولذلك فليس غريباً أن يقول الوالدان بأن لديهم (ولداً بمثابة) بئر نفط في البيت”، يقول الصحفي غلايز، الذي قام بتحقيقات طوال تسعة أشهر مع زميله بارتيليمي غايار في إفريقيا الغربية. وتبدو المقارنة مع النفط أو أي مادة خام أخرى مسألة قاسية، إلا أن كريستوف غلايز يدرك ما يقول: “اللاعب الإفريقي يتم النظر إليه كبضاعة، مثل كيلوغرام من القطن أو الكاكاو. والنوادي الأوروبية تأتي إلى هنا بحثا عن قوى عمل رخيصة”.

ومشكلة أخرى تتمثل في أن الشباب يصبحون جزءاً من النظام، ويقبلون وعود وكلاء اللاعبين. ومن أجل ذلك هم يخاطرون بالكثير، ويزورون أحياناً سنهم، لأن اللاعب البالغ من العمر 15 عاماً له فرص أفضل من ذلك الذي يبلغ 18 عاماً في سوق المنافسة.

خطة المماطلة لدى الأندية الأوروبية

والرابحون الكبار ليسوا فقط الوكلاء المزعومين، بل أيضا الأندية الأوروبية. مثال على ذلك المهاجم الكونغولي جونيور كبانانغا، الذي بدأ مشواره الرياضي في أوروبا مع أندرلخت. والفريق البلجيكي البطل أراد ضم اللاعب، لكن لم يكن مستعداً لدفع تعويض مالي للنادي، الذي اكتشف جونيور كبانانغا. فالأندية الأوروبية تدفع للأندية في أوروبا حقوق رعاية اللاعبين، لكنها ترفض ذلك عندما يتعلق الأمر بأندية إفريقية. والخطة هي المماطلة حتى ينهار النادي الآخر، أو الدفع بشكل غير قانوني لرؤساء النادي لإتمام الصفقة.

الإقناع صعب

صوفي يكيلير من بروكسل تعرف مصير لاعبي كرة القدم الشباب من إفريقيا. إنها متخصصة في القانون ورئيسة مؤسسة “ساميليا”، وهي مؤسسة تكافح تجارة البشر. “تم نقلهم بوعود كبيرة إلى أوروبا من قبل أشخاص لهم اتصالات مع سفارات وقنصليات. بعضهم تم التخلي عنه، والبعض الآخر أُجبر على اللعب في مستوى عال. وإذا أصيبوا يتم التخلي عنهم”.

وتوجد في الحقيقة قوانين تحمي الضحايا، إلا أنه يصعب تنفيذها، كما تقول يكيلير. “في الغالب يأتي هؤلاء الشباب عبر سلوفاكيا والمجر واليونان إلى الاتحاد الأوروبي. وإذا وصلوا إلى بلجيكا، فإنه لا يمكن فعل شيء لهم، لأنه وجب عليهم في الحقيقة العودة إلى تلك البلدان لإتمام الإجراءات الإدارية. وهذا غير ممكن بالنسبة إليهم”، تشرح صوفي يكلير.

وتراهن صوفي يكيلير على إجراءات وقاية، لكن ذلك يبقى صعبا: “حتى ولو أن الأطفال ينصتون إلى ما نقول، فإن الحلم يكون أقوى. ولكن إذا فهم شخص واحد من بين 20 رسالتنا، فيمكننا إنقاذ شخص واحد على الأقل”.

وإذا شارك لاعب كرة قدم محترف مثل ألويس نونغ في الحملة، فإن الشباب لا يستوعبون ذلك دوماً، لأنه واحد ممن اختاروا التوجه إلى أوروبا، ويريد إقناعهم الآن بعدم المخاطرة بهذه المغامرة.

علي فرحات

زر الذهاب إلى الأعلى