لطالما كانت مباريات الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة أكثر من مجرد مواجهة كروية، فهي الحدث الذي يتوقف عنده الزمن في إسبانيا والعالم بأسره، والمسرح الذي وُلدت فيه الدراما، وتفجّرت بسببه أعنف الجدالات في تاريخ كرة القدم الإسبانية.
وقبل أن تدخل تقنية الفيديو (VAR) إلى عالم المستديرة، كانت تلك المباريات شاهدة على قرارات تحكيمية غيّرت مسار بطولات، وبدّلت ملامح التاريخ، وخلّدت لحظاتٍ ظلّت محفورة في ذاكرة الجماهير لعقود طويلة.
من ركلات جزاء مثيرة للجدل في السبعينيات إلى أهداف أُلغيت بالخطأ وتدخلات عنيفة أفلت أصحابها من العقوبة، كان الكلاسيكو مرآةً لتطور اللعبة ووجهًا آخر لمعنى العدالة المفقودة.
ومع اقتراب المواجهة الجديدة بين الغريمين يوم الأحد المقبل، أعادت صحيفة “ماركا” الإسبانية فتح الملف، لتستعرض أبرز الحالات التي ربما كانت لتأخذ منحى آخر لو وُجد الـVAR آنذاك.
ركلة جزاء جوروسيتا (برشلونة 1-1 ريال مدريد – كأس الملك 1969/70)
في موسم 1969/70، حملت بطولة كأس ملك إسبانيا واحدة من أكثر اللحظات جدلاً في تاريخ الكلاسيكو، حين ارتكب خواكين ريفي لاعب برشلونة خطأً واضحًا على مانويل فيلازكيز، لاعب ريال مدريد، خارج منطقة الجزاء.
لكن الحكم خوسيه ماريا جوروسيتا فاجأ الجميع وأشار إلى نقطة الجزاء، ليحتسب ضربة جزاء غير صحيحة. أشعل القرار غضب لاعبي برشلونة وجماهيرهم، لتندلع مشاجرة داخل أرض الملعب تخللتها بطاقات حمراء واقتحام جماهيري قبل نهاية اللقاء بدقائق قليلة، لتنتهي المباراة وسط فوضى عارمة.
وبينما مرّ ريال مدريد إلى نصف النهائي قبل أن يتوّج باللقب في النهاية، كانت تلك الحادثة لتأخذ منحى مختلفًا تمامًا لو وُجدت تقنية الفيديو، إذ كانت ستُظهر أن الخطأ وقع خارج المنطقة، وربما تجنبت الكرة الإسبانية واحدة من أكثر المشاهد فوضوية في تاريخها.
تدخل ميجيلي العنيف على باكو بونيت (برشلونة 2-1 ريال مدريد – كأس الملك 1982/83)
في الثمانينيات، أضاف المدافع ميجيلي لاعب برشلونة صفحة أخرى إلى كتاب الجدل، بعد تدخله العنيف على لاعب ريال مدريد باكو بونيت في نصف نهائي كأس الملك.
تسبّب التدخل في تمزق الرباط الجانبي الداخلي وتمزق الغضروف المفصلي الخارجي إضافة إلى إصابة معقدة في الساق اليسرى لبونيت، ما أبعده عن الملاعب لفترة طويلة.
ورغم وضوح الحالة أمام الحكم، لم يشهر البطاقة الحمراء، واستكمل برشلونة اللقاء ليفوز (2-1) ويتوّج لاحقًا بالبطولة.. ومع وجود الـVAR، كانت الإعادة ستكشف بوضوح قسوة التدخل، ليُطرد ميجيلي مباشرة، وربما تغيّر مسار المباراة واللقب معًا.
Getty Images
تمثيل ميشيل وركلة الجزاء الوهمية (ريال مدريد 2-1 برشلونة – الدوري 1992/93)
في بداية التسعينيات، كان الجدل التحكيمي حاضرًا بقوة. ففي إحدى مباريات الدوري موسم 1992/93، حصل ميشيل لاعب ريال مدريد على ركلة جزاء بعد سقوطه داخل المنطقة في لقطة مثيرة للجدل أمام أنظار الحكم دياز فيجا.
مدرب برشلونة آنذاك، يوهان كرويف، شنّ هجومًا عنيفًا على التحكيم، معتبرًا أن ميشيل تعمّد السقوط للحصول على ركلة جزاء. ومع ظهور الـVAR بعد سنوات، أصبح من السهل التأكد أن القرار لم يكن صحيحًا، وأن ميشيل كان سيُنذر بالبطاقة الصفراء بدلًا من مكافأته بهدفٍ رجّح كفة الميرينجي في النهاية.
لمسة يد سيرجي وغياب البطاقة الحمراء (برشلونة 2-2 ريال مدريد – الدوري 1999/2000)
الكلاسيكو في موسم 1999/2000 كان حافلًا بالإثارة، لكنه لم يخلُ من الجدل التحكيمي. فبينما خيّم هدف راؤول الشهير الذي أسكت كامب نو على المشهد، تجاهل الحكم دياز فيجا لمسة يد واضحة من سيرجي بارخوان مدافع برشلونة على خط المرمى، كانت كفيلة بمنح ريال مدريد ركلة جزاء وبطاقة حمراء مباشرة.
اللقطة مرّت دون عقوبة، وانتهت المباراة بالتعادل (2-2). ولو وُجدت تقنية الفيديو في تلك الفترة، لكانت قد غيّرت مصير اللقاء وربما مصير الصراع على اللقب.
Getty Images
هدف ريفالدو الملغى (ريال مدريد 2-2 برشلونة – الدوري 2000/01)
في الألفية الجديدة، شهد الكلاسيكو واحدة من أكثر اللقطات إثارة للغضب في معسكر برشلونة. ففي الدقيقة الأخيرة من المباراة، أحرز ريفالدو هدفًا بدا صحيحًا تمامًا، لكن الحكم ألغاه بداعي التسلل.
الجدل تضاعف عندما أظهرت الإعادات أن الكرة وصلت إلى النجم البرازيلي بعد لمسة من إيفان هيليجيرا مدافع ريال مدريد، ما يعني أن التسلل لم يكن قائمًا.
كانت الراية التي ارتفعت حينها كفيلة بحرمان برشلونة من فوز ثمين، في واحدة من القضايا التي ما زالت تُذكر كفضيحة تحكيمية حديثة في تاريخ الكلاسيكو. الـVAR كان سيكشف نية هيليجيرا في اللمسة، وربما غيّر النتيجة تمامًا.
Getty Images
دهس بيبي ليد ميسي (ريال مدريد 1-2 برشلونة – كأس الملك 2011/12)
مع تصاعد حدة المنافسة في عهد بيب جوارديولا وجوزيه مورينيو، تحوّل الكلاسيكو إلى معركة عصبية أكثر منه مباراة كرة قدم.
وفي إحدى أكثر اللقطات المخزية، سقط ليونيل ميسي على الأرض بعد كرة مشتركة، وبينما كان الحكم قد أدار ظهره، قام المدافع البرتغالي بيبي بدهس يد النجم الأرجنتيني في تصرف غريب أثار الغضب في أنحاء العالم.
الواقعة مرّت دون أن تُرصد في حينها، لكنها بقيت وصمة على مسيرة المدافع البرتغالي. ومع وجود الـVAR، لم يكن ليفلت من العقوبة، وربما كان سيُطرد فورًا.
Getty Images
دهس بوسكيتس لوجه بيبي (ريال مدريد 3-4 برشلونة – الدوري 2013/14)
ما حدث بعد ذلك بسنتين كان أشبه بانتقام القدر. ففي مباراة كلاسيكو أخرى مثيرة عام 2014، تعرّض بيبي نفسه للدهس من جانب سيرجيو بوسكيتس، عندما مرّت مسامير حذائه على وجه المدافع البرتغالي أثناء سقوطه.
الحكم لم يلاحظ الواقعة ولم يُشهر أي بطاقة، رغم وضوح اللقطة في الإعادات التلفزيونية. تقنية الفيديو، لو كانت موجودة آنذاك، كانت كفيلة بإيقاف اللعب وإشهار البطاقة الحمراء بحق بوسكيتس، وربما قلب مجرى المباراة التي انتهت بفوز برشلونة (4-3).
Getty Images
خطأ ماسكيرانو على لوكاس فاسكيز (برشلونة 1-1 ريال مدريد – الدوري 2016/17)
في موسم 2016/17، بدا الكلاسيكو أكثر هدوءًا بعد رحيل مورينيو وجوارديولا، لكن الجدل لم يختفِ كليًا. ففي ملعب كامب نو، أسقط الأرجنتيني خافيير ماسكيرانو لاعب ريال مدريد لوكاس فاسكيز داخل المنطقة، في لقطة واضحة للجميع باستثناء الحكم.
القرار المثير للدهشة تمثل في الإشارة إلى استمرار اللعب، لتضيع على ريال مدريد فرصة حسم المباراة، التي انتهت بالتعادل (1-1) بفضل هدف متأخر في الوقت بدل الضائع.
وجود الـVAR في تلك اللحظة كان سيحسم الجدل ويمنح ريال مدريد ركلة جزاء حاسمة، وربما غيّر شكل الصراع على لقب الليجا في ذلك الموسم.
إرث الكلاسيكو قبل التقنية
تلك اللقطات مجتمعة تُظهر كيف شكّلت الأخطاء التحكيمية ملامح أعظم مباراة في العالم، وكيف كان غياب التكنولوجيا يسمح للحظة واحدة أن تصنع مجدًا أو تُسقط أسطورة.
الكلاسيكو لم يكن مجرد مباراة، بل ساحة يُختبر فيها العدل البشري في مواجهة شغف الملايين. واليوم، ومع وجود الـVAR، أصبحت مثل تلك اللقطات جزءًا من ذاكرة الماضي، لكنها ستظل تُروى للأجيال كقصصٍ عن زمنٍ كانت فيه العدالة تعتمد على عين بشرية، لا على شاشة.