في ليلة كبيرة من ليالي كأس القارات، نجح بيراميدز المصري في فرض شخصيته أمام أهلي جدة، ليؤكد أنه ليس مجرد ضيف عابر على الساحة القارية، بل فريق قادر على مقارعة الكبار.
وحقق الفريق المصري فوزًا مستحقًا على الأهلي السعودي، بنتيجة (3-1)، مساء اليوم الثلاثاء، ضمن منافسات كأس القارات للأندية 2025.
تفوق بيراميدز لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج انضباط تكتيكي عالٍ، وقراءة دقيقة لمفاتيح لعب “الراقي”، ما جعله يتحكم في نسق المباراة ويمتص حماس الجماهير الخضراء.
بداية خاطئة
بدأ الألماني ماتياس يايسله، مدرب الأهلي، المباراة بتشكيل خاطئ وخيارات سيئة، إذ اعتمد على الوافد الجديد فالنتين أتانجانا بصورة أساسية للمرة الأولى، رغم أنه كان يمتلك محوره الأساسي زياد الجهني على مقاعد البدلاء.
كما دفع بالبرازيلي ويندرسون جالينو في خانة الجناح الأيسر، رغم عدم جاهزيته الفنية والبدنية، بسبب ضيق الوقت المتعلق بفترة تعافيه، حيث غامر به من البداية، ليخسر تبديلا بعد مرور نصف ساعة.
وساهم وجود جالينو من البداية في ضعف الجبهة اليسرى على المستويين الهجومي والدفاعي، تزامنًا مع سوء مستوى الظهير البلجيكي ماتيو دامس.
إضافة إلى ذلك، فإن المدرب الألماني دخل المباراة بفتح جميع خطوطه، وترك المساحات أمام بيراميدز الذي يمتلك عدة أسلحة هجومية تتميز بالتحولات والحسم.
تعطيل المفاتيح
في الجهة المقابلة، دخل الكرواتي كرونوسلاف يوريشيتش، المدير الفني لبيراميدز، المباراة بذكاء تكتيكي واضح، معتمدًا على طريقة لعب (4-4-2) التي منحت فريقه توازنًا مثاليًا بين الدفاع والهجوم، مع التركيز على التحولات السريعة واستغلال أخطاء لاعبي الأهلي.
الخطة الكرواتية ارتكزت بالأساس على تعطيل مفاتيح لعب الأهلي، من خلال مراقبة لصيقة للثنائي فرانك كيسيه وإنزو ميلوت، ما حدّ من قدرة الفريق السعودي على الخروج بالكرة وتنظيم الهجمات.
كما فرض فيستون مايلي ضغطًا متواصلًا على المدافع البرازيلي روجيه إيبانيز، ليمنعه من التقدم بالكرة من الخلف، الأمر الذي أجبره على إرسال كرات طولية سهلة على مدافعي بيراميدز.
ولم يستفد الأهلي من نسبة استحواذه المرتفعة في الشوط الأول، إذ لم يشكل أي خطورة، وفشل في بناء هجمات منظمة، ما أدى إلى غياب شبه تام للجناح الجزائري رياض محرز والمهاجم الإنجليزي إيفان توني عن المشهد الهجومي.
يورشيتش ركز أيضًا على إغلاق الطريق أمام أطراف الأهلي، حيث ثبت ظهيري بيراميدز، محمد الشيبي ومحمد حمدي، في الخلف مع تقليل المجازفة الهجومية، لتجنب خطورة انطلاقات لاعبي “الراقي”.
لكن العمل الأكبر كان في الجبهة اليسرى، حيث دفع بكريم حافظ (الظهير الآخر) أمام حمدي، ليحد تمامًا من خطورة محرز، الذي عجز عن إيجاد المساحات أو الدخول في مواقف فردية مؤثرة.
شوارع يايسله
مرة أخرى، وقع يايسله في فخ الأخطاء التكتيكية ذاتها، بعدما دخل المباراة باندفاع مبالغ فيه وفتح خطوطه على مصراعيها، خاصة من الجبهة اليسرى التي ظهر فيها ماتيو دامس بأداء متواضع للغاية.
بيراميدز لم يتأخر في استغلال تلك الثغرة، عبر تمريرات متكررة في المساحات خلف دامس، قادها الجناح السريع محمود عبد الحفيظ “زلاكا”، الذي تنوعت خطورته بين الاختراق الفردي وإرسال العرضيات الفعالة.
انضباط الفريق المصري في وسط الملعب، بفضل الثنائي مهند لاشين وبلاتي توريه، ساعد على افتكاك الكرات وبناء هجمات سريعة، غالبًا ما انتهت بتمريرات طولية دقيقة نحو جبهة زلاكا الذي كان مصدر الإزعاج الأكبر لدفاع الأهلي من الناحية اليمنى.
ورغم محاولة يايسله تصحيح الخطأ باستبدال دامس والدفع بزكريا هوساوي، إلا أن الكارثة تكررت، بعدما أرسل حارس بيراميدز كرة طولية استغلها زلاكا بذكاء، قبل أن يمنح تمريرة حاسمة لمايلي الذي أحرز الهدف الثاني بسهولة.
الأهلي لم يعانِ فقط من الجبهة اليسرى، بل ظهرت مساحات واسعة بين خطي الدفاع والوسط، ما منح بيراميدز انطلاقات متواصلة وفرصًا خطيرة، خاصة في ظل كثرة التمريرات المقطوعة من لاعبي “الراقي”.
ومن خلال الكرات الطولية خلف قلبي الدفاع، ترجم بيراميدز تفوقه بتسجيل أهداف حاسمة، حيث جاء الأول والثالث تحديدًا من سوء التمركز والأخطاء الدفاعية، ليواصل مايلي استغلال الموقف بأفضل طريقة ممكنة.
ويحسب لمدرب بيراميدز، عدم التراجع للخلف بعد تسجيل الهدف الثاني، حيث كثف الضغط من الثلث الأخير، وتسيد اللقاء طولاً وعرضًا حتى سجل الثالث، وكاد يزيد الغلة التهديفية.
في النهاية، بدا بيراميدز هو الطرف الأكثر تنظيمًا وشراسة على مدار 90 دقيقة، في مباراة تحولت إلى ليلة سوداء على الأهلي الذي ظهر بلا أنياب حقيقية داخل أرض الملعب.