حظ أم شطارة؟.. مونبلييه يكسر سطوة المال على الكرة الفرنسية

حظ أم شطارة؟.. مونبلييه يكسر سطوة المال على الكرة الفرنسية
حجم الخط:

في ليلة ربيعية من مايو/أيار 2012، شهدت كرة القدم الفرنسية واحدة من أكبر المفاجآت في تاريخها الحديث.

في تلك الليلة توج فريق مونبلييه المتواضع بلقب الدوري الفرنسي للمرة الأولى في تاريخه، متفوقًا على عمالقة الدوري والأموال الطائلة التي ضخها نادي باريس سان جيرمان.

شكل هذا التتويج فصلا ذهبيا في حكاية نادٍ مغمور من جنوب فرنسا حوّل الحلم إلى حقيقة، وأشعل احتفالات صاخبة في شوارع مونبلييه.

تأسس نادي مونبلييه عام 1974 على يد رجل الأعمال لويس نيكولين، وظل لعقود فريقا متوسطا بعيدا عن منصات التتويج.

 حقق بعض النجاحات المحلية، مثل الفوز بكأس فرنسا 1990)، لكن لقب الدوري ظل عصيا عليه.

أفضل إنجاز سابق كان المركز الثالث بالموسم 1987-1988، وعانى النادي من فترات هبوط وصعود؛ فهبط مطلع الألفية الجديدة ثم عاد إلى دوري الأضواء عام 2009.

 هذه الخلفية جعلت مونبلييه يبدأ موسم 2011-2012 بتوقعات متواضعة وميزانية محدودة جدا مقارنة بكبار الدوري.

تكتيك جيرار وتألق جيرو وبلهندة

صنع المدرب رينيه جيرار فريقا متجانسا يجمع بين المواهب الشابة وبعض الخبرة، واعتمد نهجا تكتيكيا واقعيا ومتوازنا بين الدفاع والهجوم.

برز خط دفاع صلب بقيادة المخضرم البرازيلي فيتورينو هيلتون، الذي جعل دفاع مونبلييه من الأقوى في الدوري.

أما في الهجوم، فقد لمع نجم المهاجم أوليفييه جيرو الذي قدم موسمًا استثنائيًا أنهاه هدافًا للدوري برصيد 21 هدفا.

لم يكن جيرو مجرد هدّاف، بل لعب دور المحطة المحورية للفريق بصناعته الفرص لزملائه وجهده المتواصل في الضغط على دفاع الخصوم.

إلى جانبه تألق صانع الألعاب المغربي الشاب يونس بلهندة، العقل المبدع في تشكيلة جيرار، حيث أمتع الجماهير بمهاراته وتمريراته الحاسمة وسجل 12 هدفًا خلال الموسم.

 وشكّل هذا الثنائي المدهش، مدعومًا ببقية اللاعبين المجتهدين، قوة ضاربة فاقت كل التوقعات.

AFP

إدارة حكيمة

لم يكن إنجاز مونبلييه وليد الصدفة، بل جاء ثمرة سياسة إدارية ومالية حكيمة استمرت سنوات.

ففي حين كان باريس سان جيرمان المدعوم بالاستثمارات القطرية ينفق ببذخ على نجوم كبار (مثل صفقة الأرجنتيني خافيير باستوري القياسية)، اعتمد مونبلييه على بناء فريق شاب متعطش للنجاح.

غالبية لاعبي التشكيلة المتوّجة ترعرعوا في أكاديمية النادي، ما عزز روح العائلة والترابط بينهم.

 كما اكتفى النادي بتعاقدات ذكية منخفضة التكلفة، أبرزها ضم جيرو من الدرجة الثانية مقابل مليوني يورو فقط.

وبهذه المقاربة نافس مونبلييه بميزانية متواضعة لا تكاد تُذكر أمام ميزانية باريس الضخمة، لكنه نجح في تصدر السباق.

وكان للرئيس لويس نيكولين، الأب الروحي للنادي، دور كبير في زرع ثقافة الإيمان بالمواهب المحلية والعمل بصمت. وبقي يخفف الضغط عن فريقه بتصريحاته المتواضعة، حتى إنه وعد مازحًا بحلاقة شعره على طريقة “الموهوك” الملونة إذا تحقق الحلم – وقد أوفى بوعده فعلًا وسط فرحة هستيرية بعد التتويج.

حلم المدينة يصبح حقيقة

لم تكن مدينة مونبلييه معروفة بحماسها الكروي مقارنة بعشقها للرجبي، لكن ملحمة 2012 غيّرت ذلك وجمعت أهل المدينة خلف فريقهم بصورة غير مسبوقة.

 تصاعد الزخم الجماهيري في ملعب دو لا موسون مباراةً بعد أخرى، وتعالى هدير المشجعين رافعين رايات النادي البرتقالية والزرقاء في كل مكان.

تولدت علاقة فخر وانتماء متبادلة وصفها البعض بأنها “قصة حب” بين النادي وجماهيره والمدينة.

 وعندما حانت الجولة الأخيرة الحاسمة في ملعب أوكسير، عاشت الجماهير لحظات عصيبة.

تأخر فريقها بهدف مبكر وسط أجواء مشحونة، لكن النيجيري جون أوتاكا أحرز هدفين ليقلب بهما النتيجة إلى 2-1.

ومع إطلاق صافرة النهاية انفجرت الأفراح وعمّت الاحتفالات شوارع مونبلييه حتى ساعات الصباح احتفالًا بأول لقب دوري في تاريخ النادي.

حظ أم تخطيط؟

بعد انقضاء الاحتفالات، تساءل المحللون: هل كان تتويج مونبلييه مجرد ضربة حظ في موسم استثنائي، أم أنه ثمرة تخطيط وجهد مستمر؟

تشير الوقائع إلى أن الإنجاز لم يكن صدفة. صحيح أن ظروفا مثالية ساعدت – من تعثر المنافسين الكبار وتراجع بعض القوى التقليدية – لكن مونبلييه صنع نجاحه بيده، فقد كان الفريق الأكثر ثباتًا طوال الموسم ونجح في استغلال كل تعثر للخصوم.

امتاز بأقوى دفاع وأحد أفضل خطوط الهجوم، وحافظ على تركيزه حتى الأمتار الأخيرة. لخص جيرار القصة بقوله: “أثبتنا أن المال ليس كل شيء في كرة القدم. نحن نادٍ من الأصدقاء يعملون بروح واحدة، وقد برهن شبابنا أنه بالإمكان مقارعة الكبار بالعزيمة والتخطيط”.