في عالم كرة القدم، الذي تسوده العولمة والانفتاح على الأسواق العالمية، يظل أتلتيك بيلباو حالة استثنائية وفريدة.
فبينما تتسابق الأندية الأوروبية الكبرى لضم النجوم من مختلف القارات، يتمسك الفريق الباسكي بسياسة عمرها أكثر من قرن، تقوم على الاعتماد الحصري على اللاعبين المنتمين إلى إقليم الباسك أو الذين نشأوا وتكونوا فيه.
هذه الفلسفة التي تحولت مع مرور الزمن، من مجرد نهج رياضي إلى رمز لهوية ثقافية، جعلت من بيلباو، أكثر من مجرد ناد لكرة القدم، بل بمثابة “منتخب غير رسمي” يمثل روح الإقليم وتاريخه.
وبين الاتهامات بالعنصرية، والإشادة بالوفاء للجذور، يبقى أتلتيك بيلباو، مثالًا نادرًا على كيفية مزج الهوية بالاحتراف في عالم الرياضة.
ويعتمد بيلباو على لاعبين من إقليم الباسك أو الذين نشأوا في المنطقة، وهي سياسة تقليدية يعود تاريخها إلى عام 1912، مدفوعة بفلسفة النادي التي تستلهم هوية إقليم الباسك الفريدة.
وعلى الرغم من أن هذه السياسة لم تكن مقيدة بنصوص تنظيمية صارمة في البداية، إلا أنها أصبحت تقليدًا راسخًا للنادي، الذي يعتبر نفسه بمثابة “منتخب الباسك”.
EPA
وتعتبر سياسة النادي، جزءًا من هويته الثقافية الفريدة، حيث يهدف إلى الاحتفاء بالثقافة الباسكية وتجسيدها في كرة القدم، ويرى النادي نفسه بمثابة منتخب يمثل إقليم الباسك، مما يدفعهم إلى عدم استقطاب لاعبين من خارج هذه الهوية.
وبدأت السياسة بشكل صارم منذ عام 1912، بعد أن كان النادي في بدايته، يعتمد على اللاعبين الإنجليز، وفي بعض الأحيان، تُظهر السياسة بعض المرونة، حيث سمحت بضم لاعبين لهم أصول باسكية حتى لو ولدوا خارج الإقليم، أو للاعبين الذين قضوا فترة تكوينهم في الأندية الباسكية.
ويعد انضمام إنياكي ويليامز (من أصل غاني ليبيري) مثالًا على تطور السياسة، حيث تم ضمه إلى الفريق الأول.
وعلى الرغم من الاتهامات بالعنصرية، لم يتعرض بلباو لأي مساءلة قانونية، لأن النادي لا يتضمن أي بند قانوني صريح في لوائحه، يفرض انتماء اللاعبين إلى إقليم الباسك، بل هو تقليد يتمسك به.
وتمتد تلك السياسة لتشمل الفريق الاحتياطي وفرق الشباب وقسم كرة القدم النسائية، ولكنها لا تنطبق على الطاقم التدريبي، حيث قاد الفريق في فترات مختلفة، مدربون من إنجلترا والمجر وألمانيا وفرنسا والأرجنتين.
ولم يكن بيلباو، الفريق الباسكي الوحيد الذي يلتزم بهذه السياسة، فقد اتبع ريال سوسييداد سياسة مماثلة منذ أواخر الستينيات وفاز بلقبين متتاليين في الدوري في أوائل الثمانينيات ملتزماً بهذا القيد الذي فرضه على نفسه (كما فعل أتلتيك بيلباو).
ولكن تم التخلي عنها للاعبين الأجانب في عام 1989 عندما وقع ريال سوسييداد مع المهاجم الأيرلندي جون ألدريدج، وسرعان ما تبعه أول لاعب أفريقي في تاريخ النادي، وهو داليان أتكينسون.
وفي عام 2002، أجرى ريال سوسييداد، أول تعاقد مع لاعب إسباني غير باسكي بانتقال بوريس من ريال أوفييدو، ومع ذلك، لا يزال النادي الذي يتخذ من سان سيباستيان مقراً له، يولي أهمية كبيرة لإنتاج لاعبين محليين، حيث أن نسبة كبيرة من تشكيلته في عقد 2010 كانت من اللاعبين الذين نشأوا في أكاديمية النادي.
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لتلك السياسة، إلا أن بيلباو يعتز بها ويراها مثالًا للنجاح، خاصة أنه واحد من 3 أندية مؤسسة للدوري الإسباني مع ريال مدريد وبرشلونة لم تهبط أبدًا من الليجا.