حظ أم شطارة: دي ماتيو يحوّل المستحيل إلى واقع

حظ أم شطارة: دي ماتيو يحوّل المستحيل إلى واقع
حجم الخط:

في عالم كرة القدم، هناك مدربون يصنعون أمجاداً عبر سنوات طويلة من العمل الشاق، وهناك آخرون يسطعون فجأة في لحظة واحدة قبل أن يخفت بريقهم سريعاً.

ومن بين هؤلاء، يبرز اسم الإيطالي روبرتو دي ماتيو، الذي كتب فصلاً خالداً في تاريخ تشيلسي عام 2012، حين قاده إلى أول لقب في دوري أبطال أوروبا.

لكن، هل كان هذا الإنجاز ثمرة عبقرية تكتيكية؟ أم أنه مجرد صدفة صنعتها الظروف والحظ؟

البداية: مهمة إنقاذ تبدو مستحيلة

في آذار/مارس 2012، قرر مالك تشيلسي الروسي رومان أبراموفيتش إقالة المدرب البرتغالي الشاب أندريه فيلاش-بواش، بعد سلسلة من النتائج المخيبة والأجواء المتوترة داخل غرفة الملابس. كثيرون رأوا أن موسم البلوز قد انتهى عملياً، وأن الفريق في طريقه لوداع البطولات الكبرى.

وسط هذه العاصفة، جاء قرار تعيين روبرتو دي ماتيو، المساعد السابق لفيلاش-بواش ولاعب وسط تشيلسي الأسبق، كمدرب مؤقت حتى نهاية الموسم. لم يتوقع أحد أن يتغير الحال كثيراً، بل إن أغلب المحللين وصفوا الخطوة بأنها مجرد “ترتيب مؤقت” ريثما يتم البحث عن مدرب دائم.

لكن دي ماتيو، الهادئ قليل الكلام، كان يملك شيئاً لم يلتفت إليه كثيرون: العلاقة الخاصة مع اللاعبين. فهو يعرف عقلية النجوم الكبار في الفريق مثل فرانك لامبارد، جون تيري، وديدييه دروجبا. ومنذ يومه الأول، بدأ يعيد إليهم الثقة والروح المفقودة.

صرّح لاحقاً: “كنت أحاول فقط أن أجعل اللاعبين يؤمنون بأنفسهم مجدداً. عندما يشعرون أنهم جزء من هدف واحد، يصبح كل شيء ممكناً.”

العودة الأسطورية أمام نابولي

أول اختبار حقيقي كان ضد نابولي الإيطالي في إياب دور الـ16 بدوري الأبطال. تشيلسي خسر ذهاباً 1-3، وبدا على أعتاب الإقصاء. لكن دي ماتيو أجرى تغييرات جريئة؛ أعاد لامبارد إلى التشكيل الأساسي، أعطى تيري شارة القيادة، واعتمد على خبرة دروجبا، بينما وضع راميريس في مركز الجناح الأيسر لإيقاف انطلاقات كريستيان ماجيو.

على أرض ستامفورد بريدج، اشتعلت الليلة التاريخية. سجل دروجبا الهدف الأول برأسية رائعة، ثم أضاف تيري الثاني ليعود الأمل. ورغم تلقي هدف من نابولي، واصل الفريق القتال حتى عادل النتيجة من ركلة جزاء نفذها لامبارد.

وفي الوقت الإضافي، ظهر المدافع الصربي برانيسلاف إيفانوفيتش ليحرز الهدف الرابع، معلناً تأهل البلوز بفوز 4-1 (5-4 في مجموع المباراتين). كانت تلك المباراة نقطة تحول كبرى؛ فقد شعر الجميع أن شيئاً استثنائياً يحدث تحت قيادة المدرب المؤقت.

ملحمة كامب نو أمام برشلونة

في ربع النهائي، تجاوز تشيلسي عقبة بنفيكا، ليضرب موعداً مع برشلونة الأسطوري بقيادة بيب جوارديولا في نصف النهائي. برشلونة حينها كان الفريق الأكثر هيمنة في أوروبا، مدججاً بميسي وتشافي وإنييستا.

في مباراة الذهاب بلندن، فاز تشيلسي 1-0 بهدف دروجبا من هجمة مرتدة. لكن الإياب على كامب نو كان اختباراً من نوع مختلف.

دخل دي ماتيو اللقاء بخطة دفاعية صارمة، تتحول أحياناً إلى 6-3-1 عندما يتراجع الجناحان راميريس وسالومون كالو لمساندة الدفاع. ومع ذلك، بدا أن الحلم سينهار سريعاً بعد طرد جون تيري وتلقي شباك تشيلسي هدفين.

لكن اللحظة الفارقة جاءت قبل نهاية الشوط الأول، حين انطلق راميريس في هجمة مرتدة خاطفة ليسجل هدفاً ذهبياً أذهل جماهير برشلونة. وفي الشوط الثاني، صمد الفريق ببسالة، وأهدر ميسي ركلة جزاء كادت تنهي القصة.

وعندما كانت المباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة، انفرد فرناندو توريس بمرمى برشلونة ليسجل هدف التعادل 2-2، ويقود البلوز إلى النهائي. إنها ليلة ستبقى محفورة في ذاكرة دوري الأبطال، وصورة دي ماتيو وهو يحتفل على الخط الجانبي باتت رمزاً لتلك الملحمة.

ليلة المجد في ميونخ

النهائي جمع تشيلسي مع بايرن ميونخ على ملعب أليانز أرينا، في قلب ألمانيا وأمام جماهير البافاري. على الورق، كانت الكفة تميل تماماً لصالح بايرن، خاصة في ظل غيابات مؤثرة في صفوف البلوز.

لكن دي ماتيو لم يفقد أعصابه. فاجأ الجميع بإشراك الشاب ريان بيرتراند أساسياً لمساندة الدفاع، واحتفظ بخطة 4-2-3-1 التي أصبحت بصمته الخاصة.

تقدم بايرن بهدف في الدقائق الأخيرة، لكن دروجبا ظهر في اللحظة الحاسمة ليسجل برأسية أسطورية. وفي الوقت الإضافي، حصل البافاريون على ركلة جزاء، إلا أن الحارس بيتر تشيك تصدى لتسديدة روبن ببراعة.

وفي ركلات الترجيح، وقف الحظ إلى جانب تشيلسي؛ تصدى تشيك لمحاولتين، فيما سجل دروجبا الركلة الأخيرة التي منحت البلوز أول لقب أوروبي كبير في تاريخه.

كانت لحظة تاريخية لا تُنسى؛ لاعبون منهكون يحتفلون، مدرب مؤقت يرفع الكأس الأغلى، وجماهير تشيلسي في كل أنحاء العالم تعيش فرحة لم يسبق لها مثيل.

النهاية السريعة للحلم

رغم هذا الإنجاز الخارق، لم تدم قصة دي ماتيو طويلاً. فبعد أشهر قليلة من التتويج، وتحديداً في تشرين الثانى/نوفمبر 2012، تمت إقالته بسبب تراجع النتائج. بدا وكأن مهمته كانت محصورة في ذلك الموسم الاستثنائي فقط.

لاحقاً، درّب شالكه في ألمانيا، ثم أستون فيلا في إنجلترا، لكن مسيرته لم تشهد نجاحاً يُذكر. ليبقى إنجازه مع تشيلسي مجرد “معجزة عابرة”، وكأنه كُتب له أن يكون مدرباً لليلة واحدة فقط.

بين الحظ والدهاء.. أين يقف دي ماتيو؟

حتى اليوم، ينقسم النقاد حول ما حدث في ربيع 2012. فهناك من يرى أن دي ماتيو استفاد من الظروف ومن خبرة لاعبيه الكبار، وأن الحظ لعب دوراً حاسماً في مشوار البطولة.

لكن هناك من يصرّ على أن المدرب الإيطالي كان يتمتع بجرأة تكتيكية وقدرة نفسية على إعادة الروح لفريق كان يترنح، وأن قراراته في المباريات المصيرية لم تكن مجرد مصادفة.

مهما يكن، فإن اسم روبرتو دي ماتيو سيبقى مرتبطاً بأعظم لحظة في تاريخ تشيلسي: ليلة رفع كأس دوري الأبطال في ميونخ. لحظة صنعت مجداً خالداً لمدرب مؤقت، وجعلت منه أسطورة رغم قصر المسيرة.